مقتطف من رواية ” أبحرت دون ضوء ”
كتبت / نجمة عمر علي
في يوم من أيام العبور من ساعات العمل للحظة الحبور استقل “فريد” القطار عائدا لأحضان العاصمة ..كان وسيما ولا يحتاج لتصنع الإبتسامة ..كان يحمل بين طيات حقيبة السفر كتابا قديما نهش القلب صفحاته ..هو كتاب فصل الشتاء..
كتاب صفحاته من الصور المعقدة والكلمات المتمردة المبتورة
المعنى الحقيقي …
هكذا كان فحوى الكتاب..تسلط ..تنمر..استعمار.. دبيب النمل وسطوة الملك ورائحة الموت والحب والعشق الممنوع والصمت والرغبة والرجفة …تناقضات الصبر والتمرد والاحتواء والخذلان ..كان يجلس ملتفتا نحو السهول الراكضة والغيمات تسابق الريح وسرعة الحديد…لمح من بعيد قريب وجها مختلفا أو هو وجه مألوف للروح..وجه عالي معقود الحاجبين غارق في صفحة من كتاب..تمعن بسطوة الرجل المتغزل للغلاف ..كانت دهشته …كان نفس عنوان كتابه المحشور بين ملابسه المستعملة..ببساطة عقل الرجل الشرقي خاطب جمال ملامحها ولم يخاطب عقلها..
رمقته بعين المستبدة الجامحة وقالت بصوت أنثوي جعلت منه خاضعا:
“مرحبا أخي ..هل أساعدك في شيء؟ لا..فقط أردت استعارة منك الكتاب.”
“تقصد “رحلة من البيت إلى الزنزانة”..هذا الكتاب؟ “نعم…
“ولكنك ستقع أسيره فلا أنصحك بقراءته..” ابتسم ابتسامة خفيفة وقال في نفسه: “حبيبتي ..أنا سبقتك في قراءته وعدت لتوي من الزنزانة وها أنا عائد للبيت…وقد أبحرت إليك دون ضوء..
كانت حبيبته التي اعتقدت أنه مات ..
كان قد شوهت ملامحه الحرب وغابت رائحة روحه عنها..
فرائحة الزنزانة تقطر من بذلته العسكرية شوقا وعناقا…
شعرت فجأة عند سماع الصمت برجفة تغتال فؤادها المكلوم..التفاتة منها جعلت بالذاكرة تعصف بروحه عصفا…
ونبسا في وقت واحد:
” أنت ؟ …نعم أنت ..أبحرت نحوك دون ضوء”
عم الصمت وأطلق القطار صافرة التوقف…
كانت الرياح تلوح للقطار ….فتوقف قطار العمر لحظة.