كتبت: زينب محمد أحمد
لأكثر من ثلاثة عقود، ظل محمد الضيف، القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أحد أكثر الشخصيات غموضًا وتأثيرًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ورغم محاولات الاغتيال المتكررة، استطاع الإفلات من قبضة إسرائيل مرارًا، قبل أن تعلن “القسام” رسمياً مقتله بعد غارة إسرائيلية استهدفته في خان يونس في يوليو 2024.
قائد ظل مطاردًا لعقود
لم يكن محمد الضيف شخصية اعتيادية، إذ ظل لعقود هدفًا رئيسيًا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ومع نعيه، تتجدد الأسئلة حول حياته ومسيرته، خاصة في ظل ندرة المعلومات المتوفرة عنه. قبل إعلان مقتله، لم تظهر له سوى صور قديمة، إحداها تعود لفترة اعتقاله في السجون الإسرائيلية عام 1989، وأخرى من وثائقه الشخصية.
عُرف عن الضيف حرصه الشديد على السرية، حيث لم يكن يستخدم وسائل التكنولوجيا، وتحركاته كانت محسوبة بدقة. وحتى ظهوره الإعلامي كان نادرًا، يقتصر على تسجيلات صوتية فقط، آخرها في أكتوبر 2023 عندما أعلن بدء عملية “طوفان الأقصى”.
النشأة والمسيرة العسكرية
وُلد محمد دياب إبراهيم المصري، المكنى بـ”أبو خالد”، عام 1965 في قطاع غزة، لعائلة فلسطينية لاجئة هُجّرت خلال نكبة 1948 من قرية كوكبا شمال شرق غزة. نشأ في بيئة فقيرة في مخيم خان يونس، حيث عمل مع والده في التنجيد والغزل، كما عمل في تربية الدواجن والقيادة قبل أن يصبح أحد أكثر المطلوبين لدى إسرائيل.
كان ناشطًا إسلاميًا منذ شبابه، حيث انضم إلى الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس، وكان عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. حصل على شهادة البكالوريوس في علم الأحياء من الجامعة الإسلامية بغزة عام 1988، وكان له اهتمام بالمسرح والفن، حيث شكّل فرقة فنية أثناء دراسته الجامعية.
الاعتقال ومحاولات الاغتيال
اعتقل الضيف عام 1989 لمدة 16 شهرًا دون محاكمة بتهمة العمل ضمن الجناح العسكري لحماس، الذي أسسه القيادي الراحل صلاح شحادة. ورغم محاولات إسرائيل المتكررة لاغتياله، نجا الضيف من عدة محاولات تصفية، تركت بعضها آثارًا دائمة على صحته.
في عام 2002، تعرض لمحاولة اغتيال كادت أن تودي بحياته، حيث فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح بالغة. وتقول مصادر إسرائيلية إنه فقد أيضًا إحدى قدميه وإحدى يديه، كما يعاني صعوبة في الكلام، لكن لم تؤكد أي مصادر فلسطينية هذه المزاعم.
وفي حرب 2014، استهدفته غارة إسرائيلية مجددًا، لكنها فشلت في قتله، وأسفرت بدلاً من ذلك عن مقتل زوجته واثنين من أطفاله و15 آخرين. كما تعرض لمحاولتي اغتيال خلال حرب مايو 2021، لكن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من الوصول إليه.
من المطلوبين دوليًا
في نوفمبر 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق محمد الضيف، إلى جانب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك إسماعيل هنية، على خلفية هجمات 7 أكتوبر 2023. كما أصدرت المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، متهمة الطرفين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
نهاية “الشبح”
في يوليو 2024، أعلنت إسرائيل أنها نجحت أخيرًا في تصفية محمد الضيف في غارة جوية استهدفت موقعًا في خان يونس، وهو ما أكدته كتائب القسام بعد نحو ستة أشهر. ورغم مقتله، يبقى الضيف شخصية محورية في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث استطاع بناء منظومة عسكرية لحركة حماس جعلتها لاعبًا أساسيًا في الصراع مع إسرائيل.