بقلم الكاتبة / نجمة علي عمر

الغرفة الفارغة هي تلك الغرفة التي لم تطأها المشاعر وظلت على حالها لم تتسخ بالحب ولم تخف أسرارا لتحكيها للنجوم عند امتزاج القمر بشعاع الوميض..
تلك الغرفة المظلمة مريحة و معطرة بعطر الهدوء والدموع ولا تحمل في زواياها أسرارا ولا خوفا من غياب ولا طول انتظار ولا حتى لنار الأشواق ولهيب الصمت..
وأنا أكره تلك الغرف الفارغة ولا أطيق رؤية الجدران فيها مطلية بلا فوضى الألوان ..أكره ذلك الترتيب فيها .
أقطن غرفة فيها آثار لحريق قديم ورفوف تتكدس فيها الكتب و تزدحم بروائح الحبر والورق ..
كنت أمقت تلك الغرفة ولم أستوعب فكرة أن أكون فيها فقررت الهرب وامتنعت عن أخذ الحبوب المنومة لأبقى متيقظة طول الليل بلا نوم ..
تمزقت شبكة أعصابي واختلطت المشاعر بالعقل الراجح وتشوه الهدوء وشب الحريق فأتى على كلي ..
عدت مسرعة لغرفتي الفارغة وفتحت النوافذ نبشت الرفوف لأجد رواية لم أنهي خاتمتها ونفضت الغبار عن وسادتي و أنا أعيد ترتيب كل شيء في مكانه ..
عدت لأمسية باردة بلا دخان وبلا لفافة تبغ مقرفة ..
عدت أتحدث بصوت مرتفع مع جدران غرفتي بلا خوف من تكدس الأسرار ..قطعت الجسر مع الخارج وقبل أن أعود لغرفتي لآخر مرة انتحبت بلا خجل أمام اسطوانة لفيروز و صرخت صرخة الروح الأخيرة وكأنني المحكوم عليها بلا اقتراف للجريمة بل كنت القاضية المذنبة…
مات قلبي عندما شنقت كل كلمة مجرمة في حقه فهو لم يتعود على الازدحام وتعود على الغرفة الفارغة ..
عاد القلب يئن وعاد لصفة الأرض البور القاحلة ولكنه أزهر بطريقة مختلفة جدا ..لقد تعلم أن لا شيء يجبرنا على خوض شيء لا نفهمه، شيء نجهله.
لقد تنبأت عرافة لغرفتي ذات مرة أنها ستبقى وحيدة كل ليلة وأن الهروب منها سيجعل الروح كقطرة زئبق متشردة على عتبات المقاهي والأرصفة…

كتبت مبعثرة التفكير وكأن روحا من بعيد طلبت أن أكتب هكذا..كنت غريبة على قلمي واجتاح الخيال رصيف مكتبي وحدود غرفتي ..
نهضت متثاقلة وأنا أشعر بخدر في ساقي واتجهت نحو المطبخ المتعب من الفوضى واهمال كاتبة تكره غسل الأواني..بحثت عن فنجان نظيف و أعددت قهوة باردة بلا سكر ولا مسحوق للقهوة الفاخرة ..نظرت للفنجان طويلا ..سكبته في الحوض وعدت للموت فوق دفتري .
امتزج الخيال والحبر و نداء الأرض المحترقة ودخان يعتلي صهوة الدفتر ..بركان اندلع بعد فوات الزمان ..
كم أنت ظالم يا أواني الذي جعلتني أعي الفراغ في غرفة لا أسكنها وتسكنها حكاية لم نعشها ورواية من فصول متفحمة…ندوس على هشيم الذاكرة ونزور قبورا فارغة..
نتبادل مع المقبرة حقيقة نأبى أن نصدقها فنتسلق الصمت ونستميت لترك البيوت فارغة ولو لزم الأمر نجعل الحريق يندلع ولا ننادي المطر ليطفئ اللهب بحجة الكرامة المزعومة والكبرياء المفترض.
تأسرني غرفتي وترعبني ففيها شيء يشلني ويحييني ويتمزق نياط القلب و يستأنف الحياة .