كتب: حامد المعداوي
شهد العالم تغيرات جذرية مع تولي دونالد ترامب منصبه الثاني كرئيس للولايات المتحدة، حيث يختلف الوضع العالمي بشكل كبير عما كان عليه خلال ولايته الأولى عام 2016. في أوروبا، تخوض روسيا حربًا ضروسًا ضد أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، بينما ما زال الاتحاد الأوروبي يتردد في وضع الركائز الأساسية لاستراتيجية دفاعية موحدة تضمن له موقعًا متميزًا في المشهد الجيوسياسي الجديد. تأتي تصريحات ترامب المتعاقبة وتهديداته المضاجعة لمسؤولين في باريس وبرلين وبروكسل لتطرب آذان القيادات الحاكمة في روما وبودابست ومن بين القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تتطلع إلى “عصر ذهبي” يتفتح فيه نفوذها خلال الحقبة الترمبية الثانية.
لم تعد المؤسسات الأوروبية الكبرى تخفي قلقها من تداعيات الرياح الأميركية الجديدة، التي بدأت تهب على العالم حتى قبل جلوس ترامب في المكتب البيضوي. وأعلن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان قبيل سفره إلى واشنطن لحضور حفل التنصيب، أن ولاية ترامب الثانية ستطلق أجنحة اليمين الأوروبي الجديد، مبشرًا بحقبة ذهبية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأكد أوربان أن هذه المرحلة الثانية من “الهجوم الكبير” تهدف إلى احتلال أوروبا.
خلافًا للوضع خلال ولايته الأولى، حيث كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مشاريع هامشية، أصبح حلفاء ترامب الأوروبيون الآن جزءًا من النفوذ الحاكم، متعاونين بشكل كامل مع أفكار ومواقف ترامب الراديكالية حول الهجرة والبيئة والقضايا الاجتماعية. تتطابق طروحاتهم مع رؤى ترامب الجيوسياسية لعالم تقوم فيه التحالفات على المصالح التجارية بدلاً من الأفكار والمعتقدات السياسية. لم تعد المخاوف الأوروبية الكبرى مقتصرة على التدابير التجارية المزمعة للرئيس الأميركي الجديد، بل تشمل أيضًا خطر إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا ومصير العباءة الدفاعية التي يؤمنها الحلف الأطلسي للدول الأوروبية.
أصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا الآن جزءًا أساسيًا من الائتلافات الحاكمة، أو داعمة لها، في دول مثل إيطاليا والسويد وفنلندا والجمهورية التشيكية وهولندا والمجر وكرواتيا، وهي تسعى حاليًا للوصول إلى الحكم في النمسا. تستهدف هذه الأحزاب زيادة شعبيتها ونفوذها في الانتخابات الألمانية المقبلة وأيضًا في الرومانية في الربيع والتشيكية في خريف العام الحالي.
أصبح حضور حلفاء ترامب الأوروبيين في حفل التنصيب في واشنطن دليلًا على حجم “جبهة الإسناد” التي يمتلكها ترامب داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تضم قائمة المدعوين الأوروبيين قادة من إيطاليا ومجر وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا. تُعد ميلوني المجري الوحيدة من بين قادة الاتحاد الأوروبي الذين قرروا حضور حفل التنصيب، مما يفتح ثغرة جديدة مع شركائها الأوروبيين ويشير إلى تعميق تأثير هذه الأحزاب في المشهد السياسي الأوروبي.
من جهة أخرى، أوضح ترامب رغبته في تصحيح الخلل في الميزان التجاري مع أوروبا عبر رفع الرسوم الجمركية وزيادة الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مطالبته برفع نسبة مساهمات الدول الأوروبية في ميزانية حلف الناتو وزيادة مشاركتها في جهود إعمار أوكرانيا. إلا أن الهاجس الأوروبي الأكبر يبقى في الحفاظ على وحدة الصف والموقف أمام الضغوط والتهديدات الأميركية.
تُظهر نظرة سريعة على العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن إعادة ترامب إلى البيت الأبيض تمنح الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا جواز عبور إلى المشهد السياسي الطبيعي، مما يتيح للإدارة الجديدة في واشنطن التأثير المباشر على السياسات الأوروبية وزرع الشقاق لفتح الطريق أمام سياساتها التجارية والتكنولوجية. يأتي هذا في وقت تسعى فيه الشركات التكنولوجية الكبرى للالتفاف على القواعد الأوروبية، مما يعكس تحالفًا جديدًا يعتمد على المصالح المشتركة بدلاً من التوافق السياسي والأيديولوجي.