رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

عن فن “الضحك على الدقون”.. الأديب طارق رضوان يكتب

بقلم: الدكتور طارق رضوان

هل اشتريتَ الوهم يومًا؟ أم تسلمته كهدية ملفوفة بورق أنيق جميل؟ أم أنها رسالة منها أخطأتَ أنت فهمها، فتوهمتَ حبها؟ كم وهمٍ منهن أسر القلوب؟ قد يبدو لك الأمر غريبًا أو غير واضح، كيف لشخص أن يشتري الوهم؟ ولكن السؤال الأهم من ذلك هو: مَن يبيع الوهم؟ وكيف يصنعه؟ ومن أين له بتلك الحرفية العالية في إبداع تفاصيل الحب الضبابي بشكل جذاب، دون أي مضمون يُلمس؟

دعيني أتجمل فأكذب عليكِ؛ أنا بعدكِ بخير، لم يتحول قلبي إلى مضخة تافهة لأنكِ غادرته، ووجهكِ لم يعد قبلته، وصار بإمكانه أن يتجه حيث شاء. دمي بخير مذ كفَّ عن حملكِ والجريان بكِ في كل أنحاء جسدي، شراييني لا تسأل عنكِ حين يعبرها دمي ولستِ فيه، وخلاياي لم تقل لدمي: لستُ بحاجة لأوكسجينك هذا، آتني بها لأتنفس. الشهيق بعدكِ ليس محاولة غبية للاستمرار على قيد الحياة، والزفير ليس حارًا كما تعتقدين، فلم يحرقني جمر رحيلكِ.

لكنكِ أتيتِ لا لشيء سوى أن تبيعي لي الوهم، لا تكذبي فأنتِ لم تعرفي للحب سبيلًا… يا بائعة الوهم، صنعتِ الوعود ونسيتِ الوفاء بها، كنتِ من تمنح الأمل وتتبعه بالخذلان، من ترسم مخطط السعادة، لتسكب عليه حبر التعاسة فيما بعد، من صنعتِ الأحلام ثم نسفتها بالكوابيس، من تكتب الأشعار الحالمة، ثم تختار لها لحنًا حزينًا. لقلبكِ لم يكن لي… قلبكِ لم أسكن فيه.

سيدتي… تعالي، أكمل الكذبة… ساعديني أكمل التجمُّل، فأنا بعدكِ بخير؛ أستطيع أن أعدَّ إلى العشرة دون أن أستعين بأصابعكِ، وأستطيع أن أعدَّ إلى المئة دون أن أستعين برمشيكِ، وأستطيع أن أعدَّ إلى الألف دون أن أستعين بشعركِ! وأستطيع أن أعدَّ إلى المليون دون أن أغشَّ عن نبضات قلبكِ. كما ترين، أنا أتدبر أموري دونكِ.

أنا بعدكِ بخير، أُميز بين النهار والليل، فليست حياتي كلها ليلًا دونكِ. الأمر يسير وليس كما كنتُ أظن، النهار ليس حين يُشرق وجهكِ وإن أشرق منتصف الليل، والليل ليس حين تودعيني وإن ودعتِني عند الظهيرة. عادت أوقاتي إلى رشدها، الدقيقة معكِ كالدقيقة دونكِ، الدقيقة معكِ ستون ثانية، والدقيقة دونكِ ليست ستين وجعًا. الساعات لا تحتاجكِ معي لتمضي بسرعة. أنا بعدكِ بخير، فصولي أربعة، خريفي أسقط كل أوراقي فلا تحسبي أن ما عرّاني هو غيابكِ، وشتائي لا يحتاجكِ ليصير صيفًا في ثانية! وربيعي ليس ضحكتكِ، وفي الصيف أتدبر أمر سنابلي وحدي دون الحاجة لأن تحصدني نظراتكِ.

خبيرة أنتِ في سرقة الفرحة، تتغذين على الوعود الكاذبة التي تصنع السعادة المؤقتة، المتبوعة بكسر قد يتهشم ما بداخلي، ويحتاج فيما بعد إلى كثير من الوقت ليجبره، ويلملم أشلائي النفسية المحطمة.

غالبًا ما يحمل بائعو الوهم صفات مشتركة؛ فهم اجتماعيون، يعاشرون الجميع دون تردد، غير مسؤولين عما يقولون أو بما يعدون، ويرددون عبارة «نعيش اللحظة» باستمرار، تلك العبارة السامة القادرة على تدمير أحلام كثيرة.

أنا بعدكِ بخير، قهوتي مُرّة، ويمكن الاستعاضة عنكِ وتحليتها بشيء من السكر. الجروح في يدي تشفى دون أن تمرري أصابعكِ عليها، وقطعة الشوكولا حلوة وإن لم تلمس شفتيكِ كما اعتدتُ أن آكلها بعد أن تأخذي منها القضمة الأولى، حتى ساعتي انضبطت على فراقكِ فلم تعد تُقدّم ولا تُؤخر. كما تعلمين، كان كل شيء بي يسكر من رائحتكِ. أنا لا أفتقدكِ، لا أحتاج أن يخرج اسمي من فمكِ لأقتنع أنه يخصني، ولا أحتاج يدكِ في يدي لأقتنع أنها لي، ولا أحتاج أن أقول لكِ “أحبكِ” لأقتنع أني لستُ أبكمًا، ولا أحتاج أن أكتب اسمكِ في مطلع الرسائل لأقتنع أني لستُ أميًا.

أنا لا أشتاقكِ؛ لا أشتاق لأن تمسكي يدي في الطريق وتقوديني كالضرير حيث شئتِ، لا أشتاق لتعقدي لي أزرار قميصي، لا أشتاق لصوتكِ، لا أشتاق للغمازة على خدكِ، لا أشتاق لعطركِ، لا أشتاق لأصابعكِ ترسم حدود وجهي وتعلنني دولة مستقلة عاصمتها أنتِ. الحمقى الذين جاؤوا قالوا قبلنا: “يخلق من الشبه أربعين”، وأنا أسامحهم بتسعٍ وثلاثين امرأة يشبهنكِ، وأبحث عن امرأة واحدة تشبهكِ لأقنع نفسي أن جنوني بكِ ليس مبررًا. أطوف الأرض بحثًا عن نسخة ثانية لكِ ولو كانت مُقلدة، فلا أجد. تعالي، أصدقكِ القول؛ أنا حين أقول لا أحبكِ، فإني أحبكِ، وحين أقول لا أشتاقكِ، فإني أشتاقكِ، وحين أقول لا أفتقدكِ، فإني أفتقدكِ؛ فأنا لست محطة عبور أو نشوة عابرة.

وتلك قصة بائعة الوهم وسماتها، فهي غالبًا ما يكون لديها حياة موازية لما تُظهره للناس، قد تملك جانبًا مظلمًا، تكون فيه الأنثى ضحية بدل الجلاد، تقرر خلق حياة موازية، تكون هي بطلتها، بلحظات عابرة، لا تبالي بمحطّات العبور، وغير مهتمة بالمشاعر التي تدعسها في كل محطّة.

أما ضحايا بائعة الوهم، فهم يعشقون اللحظات العابرة، وغالبًا ما يكونون بسطاء، حالمين، يعتمدون على مخيلتهم وعواطفهم، يحسنون الظن بمن حولهم، كما أن خبرتهم في الحياة تكون شبه معدومة، أو فيهم الكثير من روح الطفولة، ينعمون بمخيلة تعتمد على ما جمعته من أعمال الكرتون الخيالية.

ما لا تعرفونه، هو أن ملوك العاطفة الحالمين، من يُسلِّمون المشاعر زمام الأمور، هم أكبر فريسة لبائعات الوهم، لأنهم يسهل السيطرة عليهم بكلمات رقيقة، وتصرفات أنيقة، وبعض المواقف الحالمة.

لا يقتصر بيع الوهم على العاطفة وبين العشاق الوهميين فقط، لكن بيع الوهم أيضًا تجده في عالم الأدب، فهناك أدب زائف يبيع السمك في الماء كما باع نجوم السماء. الكاتب الذي يستغل ضيق ذات اليد للبعض وتعثرهم ماديًا، فيقوم ببيع الكلام لهم والأوهام، ليس بكاتب ولا أديب. فكتب مثل «كيف تصبح مليونيرًا» يشتريها الفقير الذي لا يجد قوت يومه، لكنه لا يجد بين صفحاتها دينارًا واحدًا. وأعتقد أن هذا الفقير وأمثاله من الباحثين عن الثروة دون تعب أو جهد، مصيرهم الجنون، فلا استفادوا بما لديهم من مال ووقت، ولا حققوا الملايين التي يحلمون بها، كما يدعي الكتاب. وهذا ما يسمى «رزق الهبل على المجانين». لا شك أن هناك غيابًا لدور الرقابة على ما يُنشر ويُباع، بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني، وقلة الحيلة، وعدم التوكل على الله.

عن أحمد شعبان

شاهد أيضاً

استقرار سعر الأسمنت  اليوم السبت 8 -2-2025 في الأسواق

استقرار سعر الأسمنت  اليوم السبت 8 -2-2025 في الأسواق

كتبت/ تغريد نظيف استقر سعر الأسمنت  اليوم السبت 8 -2-2025 داخل الأسواق، وبلغ متوسط سعر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *