
يونس عاشور – YOUNES ASHOUR
هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي أكثر غباء؟
يُنظر إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) على أنها وسيلة لتحسين حياة البشر، من خلال أداء المهام المملة أو الشاقة بسرعة وكفاءة، ما يتيح لنا الوقت للتركيز على أنشطة أكثر أهمية ومتعة. ومن أبرز أمثلته روبوت الدردشة “تشات جي. بي. تي”، الذي وصل عدد مستخدميه النشطين الأسبوعيين إلى مليون في فبراير الماضي، وفق شركة “أوبن. إيه. آي”.
يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بمهام مثل تلخيص الوثائق الطويلة، صياغة رسائل البريد الإلكتروني الروتينية، ترجمة النصوص، أو حتى كتابة السيرة الذاتية باحترافية، خلال ثوانٍ.
الجانب المقلق
مع ذلك، يحذر بعض الباحثين من أن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات قد يقلل من قدراتنا المعرفية ويجعلنا “أكثر غباء”. فقد أظهرت دراسة أجرتها مايكروسوفت بالتعاون مع جامعة كارنيغي ميلون على 319 شخصًا يعملون باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي مرة على الأقل أسبوعيًا، أن الاعتماد عليه يقلل من التفكير النقدي، ويحوّل المستخدمين من جامعين للمعلومات إلى مشرفين على مخرجات الآلة. وتشمل المشكلات انخفاض الدافع للتفاعل بعمق مع المحتوى، وعدم القدرة على تقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.
دراسة أخرى لمدير معهد الاستشراف الاستراتيجي السويسري، الدكتور مايكل غرليتش، على 666 شخصًا، ربطت بين الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي وتراجع التفكير النقدي. ويشير غرليتش إلى أن الاعتماد المستمر على الآلات للتفكير يمكن أن يقوّض القدرة على التفكير المنطقي المعقد وحل المشكلات، خصوصًا لدى الشباب والأشخاص محدودي التعليم.
التفكير النقدي وأهميته
التفكير النقدي ليس مجرد اكتشاف الأخطاء، بل عملية ذهنية معقدة تساعد على الحكم على المعلومات بشكل منطقي، وتعزز مهارات اتخاذ القرار وحل المشكلات وتقييم المعلومات وبناء الحجج وتحسين اللغة والإبداع. ويشير غرليتش إلى أن “عضلاتنا الذهنية قد تصاب بالوهن إذا لم تُدرَّب بانتظام”، وأن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يقوّض القدرة على التفكير النقدي، خصوصًا في المواقف المصيرية أو الغامضة.
مواجهة تحديات العصر الرقمي
التحذيرات من الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي تتضافر مع التحذيرات السابقة عن الاستخدام المفرط للتقنيات الرقمية، مثل شاشات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد صرّح قاموس أوكسفورد في 2024 عن مصطلح “brain rot” أو “تعفن الدماغ”، لوصف التدهور العقلي نتيجة الإفراط في استهلاك محتوى الإنترنت التافه أو غير التحدي للعقل.
يُشير غرليتش إلى أن الفرق الأساسي بين وسائل التواصل ومحركات البحث والذكاء الاصطناعي التوليدي هو أن الأخير “يفكر نيابة عنا”، ما يجعلنا نخاطر بفقدان استقلالنا المعرفي إذا توقفنا عن صياغة الحجج والتحقق من المعلومات بشكل مستقل.

الجانب الإيجابي
الباحثون يرون أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير طريقة التفكير والتعبير، لكنه ليس بالضرورة سلبيًا. يقول الدكتور كارلوس زدنيك، مدير مركز فلسفة الذكاء الاصطناعي بجامعة إيندهوفين، إن الأجيال القادمة قد تعبر عن قدراتها الفكرية من خلال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، تمامًا كما عبّر الفنانون والرياضيون عن مهاراتهم عبر أدواتهم الخاصة.
كيفية الاستخدام الأمثل
توصي الدراسات بالتعامل مع الذكاء الاصطناعي كـ”مساعد” وليس كـ”بديل للتفكير”، وأن يتم التفاعل معه بشكل واعٍ، عبر طرح الأسئلة، نقد الافتراضات، والتحقق من صحة المعلومات. كما يشدد زدنيك على أهمية “محو الأمية الرقمية للذكاء الاصطناعي”، ليعرف الأطفال والمعلمون كيفية استخدام التقنية بحكمة، مع تحمل الحكومات مسؤولية إدارة هذه التقنية لتحقيق توازن بين سلامة المجتمع والنمو الاقتصادي والابتكار.
الخلاصة
الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون أداة قوية لتحسين حياة البشر، لكنه يحمل مخاطر إذا تم الاعتماد عليه دون وعي. بالوعي، والتثقيف، والتفاعل النقدي، يمكن استثمار إمكاناته الهائلة دون أن نصبح أقل ذكاءً أو أكثر غباء.