بقلم الكاتب والمفكر/ حمدي الشامي
بدايًة يجب أن تعرف ما هي المستعمرة, المستعمرة هي منطقة في مدينة المحلة الكبرى, تم تخصيص جزء منها في عهد الزعيم الراحل “جمال عبدالناصر” لاحتضان متضرري الحرب من أهالي بور سعيد ومُدن القناة, الجزء الآخر يخص مأوى وسكن العاملين في شركة المحلة الكبرى للغزل والنسيج منذ عشرات السنين, يُقابلها منطقة الجمهورية بمدينة المحلة الكبرى, ومازلنا فيما يخص الشركة, قطع أراضي ومساحات شاسعة تم تخصيصها للعاملين بالشركة بأسعار مُيسرة.
حسب ما نعرف من خبرات, ونسمع أو نشاهد بأنفسنا, بعض نواب البرلمان ورموز المجتمع, يتخذون سبيلًا من تعويض مصاريف الانتخابات, أو هدفًا من خوض التجربة البرلمانية, تحقيق مكاسب مالية على حساب أي شيء “وطن أو مواطنين”.. ما يُفسر طبيعة علاقات بعض السياسيين والبرلمانيين برجال الأعمال, بغية الدخول كوسيط سمسرة لتخليص مصالحهم, أو مشاركتهم, أو الدخول في عالم أعمالهم بشكل مستقل ما ينتهي بمصالح مُشتركة يكونوا فيها طرف مُقابل طرف آخر هو الوطن بمكوناته الثلاث “مؤسسات الدولة, الشعب, والأرض بما فيها وما عليها”.
من هذا المنطلق وحسب رأيي المستند على وقائع سابقة معلومة, (والمسنود) بثقة كاملة في مؤسسات الدولة المصرية والقيادة السياسية بـ (صونهم للأمانات اللائي يحملنها), تأتي مشكلة منطقة المستعمرة في مدينة المحلة الكبرى, نموذج في طليعة ما تقدم من جحود على الوطن مصر والشعب المصري, حيث; تبارى الجميع في تقديمها للدولة كنموذج قابل للتطوير الحضاري والعقاري بعنوان “المحلة الجديدة”, وصراحًة المشروع جذاب ويقع في إطار حوكمة الأراضي خاصًة بأن فرص التنمية العمرانية في المنطقة عظيمة جدًا لمواصفاتها الجغرافية والديموغرافية الخاصة.
وعليه, تصدٌر النائب أحمد بلال البرلسي لتمرير تطوير منطقة المستعمرة, من دون أي اعتبارات لبدائل أكثر من 600 أسرة هُم ساكنيها, والأمر لا يتعلق بطلبات إحاطة يُرد عليها, أو اجراءات لا تتخطى في تأثيرها عنوان في جريدة أو خبر في برنامج توك شو, الأمر يتعلق بمتطلبات الأهالي السلمية, في سكن كريم, وحياة آمنة.. ولأن القدرات المالية والمعيشية تختلف من أسرة لأسرة, تبقت عشرات الأسر بالمنطقة لا حول لهم ولا قوة هُم وأبنائهم وبناتهم وسيداتهم وعجائزهم, في ظل استغلال أصحاب الشقق القابلة للإيجار, في كل مدينة – المحلة الكبرى – حيث العرض والطلب السكني فيها ضيقي المساحة بشكل ملحوظ, ما اضطر بعض الأسر لأن تستمر إقامتهم لعدم وجود سكن بديل ملائم لمبالغ التعويض المالي.
ومع ذلك, انتهى دور من تطوعوا بعرض المشروع على الدولة من دون – على حد علمي – أدنى خطوة قدم واحدة أو كلمة قلم في طرح حل, لدعم الأهالي والأسر في إيجاد سكن بديل كريم ممن لم يستطيعوا إيجاده, وتركوهم لقمة صائغة للسماسرة والتكدس السكاني في مدينة المحلة الكبرى, وفيما دون “شكاوى” واستغلال أدوات برلمانية لصُنع بطولة زائفة يعلمون أنها تنتهي بـ “لا شيء”, وكأن المهمة كانت الدفع بالقرار لصالح رجال أعمال ومن ثم.. “جبرت على كدا”.
وبرغم ما تقدم, من حالة “رذيلة الشكل” ووضع “رث الرائحة”, يشتكي بعض السكان من ممارسات هي أقرب لفضيحة ثلاثية الأبعاد, والبُعد الاسوأ منها هو البُعد الرقابي من جانب نواب البرلمان في المحلة الكبرى, فما بين تحويل المنطقة السكانية لـ “خرابة” بكل ما تحمل الكلمة من معنى وتوصيف, وتركها مرتع لكلاب الشوارع ومبيت للأفاعي.. وغيرها, تأزمت الأسر وشعرت بعدم الأمن وعدم الأمان على أطفالهم وبناتهم وسيداتهم, بسبب دخول عناصر مشبوهة للمنطقة لتجريد المساكن المهجورة من محتوياتها من سباكة وأطباق دش وغيرها, كما لو أنه المطلوب في اسوأ حالة ضغط لإجبارهم على التهجير القسري بشكل مُبطن.
في النهاية, وبرغم التعويضات المالية, وجد عشرات الأسر أنفسهم يعيشون في مُحيط من البيوت المهجورة والتي خُلعت أبوابها لجعلها أوكار مُلائمة لمدمني المخدرات والخارجين عن القانون, وبين الحين والحين يُدفع بأشخاص مجهولين “للترذيل” على من تبقى منهم ولا يستطيع أن يجد سكن, ولا يصح هنا أن يوجه أي اتهام للجهات التنفيذية بالدفع بهؤلاء لممارسة هذا السلوك, بل حتى لا يصح الدفع بهذا الاتهام لرجال الأعمال أو رجل الأعمال المستثمر في المشروع لتسريع إجراءات الإخلاء, لكن وأن كان هذا المشروع لصالح الأهالي, لماذا توقفت مجهودات من تصدٌروا لتمريره عند إقراره, وتجاهلوا عن تنغيص حياة عشرات الأسر, واضطرار مئات الأسر لما اضطروا إليه..؟! فإن لم تكن “سبوبة” وتمت, وعملية “سمسرة” وانتهت, فهي عملية فشل في العمل العام, فهي عملية فشل في دعم الدولة.. وفشل من اسوأ ما يكون.
ننبه بحُسن نيه, فإن تحدثنا عن قرابة 3000 شخص – عجائز, رجال, سيدات, شباب, وأطفال – وقد شعروا بمشاعر سلبية تجاه الوطن والدولة, فقد سمع عن ما يحدث أضعاف ذلك من آلاف المواطنين في مدينة المحلة الكبرى, وعلى أقل تقدير عائلات أسر المستعمرة في كافة مناطق المحلة.. وضع فيه, برغم مجهودات القيادة السياسية ومؤسسات الدولة لتنمية الولاء والانتماء, تتنامى صورة الاضطهاد لصالح رجل الأعمال المستثمر.. وضع فيه, برغم مجهودات القيادة السياسية ومؤسسات الدولة لترسيخ الشعور بالأمن والأمان, تتنامى فيه صورة التسيب والبلطجة لصالح رجل الأعمال والمستثمر.. وضع فيه, برغم مجهودات الدولة لتعزيز الاستقرار المُجتمعي ومعالجة المشاكل وتخفيف وطأة التحديات, يتنامى فيه الشعور بعدم الاستقرار وسطحية الاستقرار الذي ينقلب في لحظات لصالح رجل الأعمال والمستثمر.
كل هذا بسبب – ولن أقول تواطؤ ولن أتهم بفساد أو سمسرة أو سبوبة.. برغم الشبهات – ولكن بسبب فشل رموز مُجتمع ونواب برلمان وجهات تنفيذية, لم يقدموا من واقع مسئولياتهم المدينة أو الحكومية أي تقدير أو اعتبار للقيادة السياسية أو للوطن أو للمواطن المحلاوي.. ولا أدنى تقدير أو أدنى اعتبار, سواء في مقترح المشروع عند اقتراحه أو تنفيذ الاجراءات الأولية عند بدء تنفيذها.. ما يجعلني أشعر بالحزن الشديد على المصريين هنا في المحلة وفي كل مكان, والشفقة على القيادة السياسية ومؤسسات الدولة والحكومة.. وعلى نفسي. ولله الأمر من قبل ومن بعد, ولله الأمر كله.