قراءة أدبية في العملات النقدية

بقلم/ الأديب المصري
د. طارق رضوان جمعة

أنت للمال إذا أمسكته .. فإذا أنفقته فالمال لك
(أبو نواس)

يستخدم المواطن المصري، قيما مختلفة من العملات الورقية، يوميا، تحمل العديد من الآثار والرموز تمثل الحضارات التي مرت على مصر، منذ نشأتها، فتزين العملة المصرية بمزيج مميز من الحضارة الاسلامية والفرعونية، نظرًا لأهمية العصرين، كل عملة تحكي قصة كفاح وفخر بأسلافنا، وكل رمز له دلالة وقيمة مهمة.

العملات المصرية تزينت بتسعة مساجد أثرية مختلفة عصورها من الطولونية، والفاطمية، والمملوكية، والعثمانية، والملكية والخديوية، بدءًا من فئة الـ 25 قرشًا وحتى الـ 200 جنيهًا، وعلى الوجه الآخر من العملة صور توضح الحضارة المصرية القديمة. ويظهر مسجد السيدة عائشة على فئة ال ٢٥ قرش. وعلى فئة ال ٥٠ قرشا يظهر الجامع الأزهر.

فلا تحسب الغُنم جمع التلاد .. فإن النجاة هي المغنم
وليت النجاة للمنصفين .. ترجى فكيف لمن يظلم؟

حيالك داران مهدومة .. ومنقوضة خلفها تهدم (البحتري)

وعلى فئة الجنية يظهر معبد أبو سمبل، وعلى فئة ال ٥ جنيهات يظهر مسجد أحمد ابن طولون.وعلى فئة ال١٠ جنيهات يظهر مسجد الرفاعى. وحافظت 10 جنيهات في أغلب تحديث لها على الصور المدونة عليه وهي وجه يحمل أحد ملوك الفراعنة والوجه الآخر لأحد الجوامع المشهورة حتى في طباعة أول 10 جنيهات من البلاستيك حملت وجه لها صورة ملكة (حتشبسوت) في العصر الفرعوني وليس ملك ولأول مرة تحمل صورة سيدة والوجه الآخر مطبوع عليه صورة مسجد الفتاح العليم في العاصمة الإدارية الجديدة.

أرى فضل مال المرء داء لعرضه .. كما أن فضل الزاد داء لجسمه

فليس لداء العرض شيء كبذله .. وليس لداء الجسم شيء كحسمه ( أبن الرومى)

وعلى فئة ال ٢٠ جنيها تجد قلعة صلاح الدين. شرع صلاح الدين الأيوبى فى تشييد قلعة فوق جبل المقطم فى موضع كان يعرف بقبة الهواء، ولكنه لم يتمها في حياته، وإنما أتمها السلطان الكامل بن العادل،  فكان أول من سكنها هو الملك الكامل واتخذها داراً للملك، واستمرت كذلك حتى عهد محمد على باشا.

وتأتي عملة الـ عشرين جنيهًا الجديدة بتصميم عصري مبتكر، حيث تعبر عن الإرادة المصرية في التحول لبناء الجمهورية الجديدة مع الحفاظ على أسس الحضارة الفرعونية القديمة، والتراث الإسلامي للدولة، من خلال الطباعة البارزة الملمس على وجه العملة لمسجد محمد على، أما ظهر العملة فيتضمن تمثال الملكة كليوباترا ومجسم الهرم الأكبر مع العجلة الحربية والمحارب المصري القديم الذي يظهر قوة وعظمة الدولة المصرية القديمة، في تناغم يجمع بين أصالة الماضي ورقى الحاضر.

وعلى فئة ال ١٠٠ جنيه تجد مسجد السلطان حسن, وعلى فئة ال ٢٠٠ جنيه تجد مسجد قانيباى الرماح والكاتب الجالس.
وأصبح جمع النقود الورقية هواية ، مع أنها ليست منتشرة بكثرة كهواية جمع العملات والطوابع إلا أنها في تزايد مستمر. كما أصبحت النقود الورقية فن، حيث أستطاع المصمم والرسام البصرى اليونانى “تشاريس تسفس” أن يرسم لوحات الخداع البصرى للحيوانات بقطع من فسيفساء البنكنوت والعملات العالمية المشهورة الممثلة لبلدان العالم.

يعد المصمم المرئي Charis Tsevis الذى توصل إلى فكرة فريدة من نوعها عندما طلب منه صديقه إنشاء قطعة فنية لمؤسسة مالية، اختار إنشاء فسيفساء فنية كبيرة للحيوانات من الأوراق النقدية من مختلف البلدان.

تظهر اللوحات من بعيد وكأنه فسيفساء حيوانية ملونة، ولكن عندما تنظر عن قرب سترى أن جميع الحيوانات وحتى الطبيعة في الخلفية مصنوعة من قطع من الأوراق النقدية.أستخدم Charis Tsevis الأوراق النقدية الحالية من مختلف البلدان وكذلك الأوراق النقدية القديمة التي لم تعد مستخدمة.
وحديثا يقال أن استخدام ألوان «قوس قزح» على العملة البلاستيكية بهدف إلى زيادة تأمين العملة من عمليات التزوير.

وذكرت المصادر أن النقود البلاستيكية الجديدة سوف تساهم في تخفيض تكاليف طباعة العملة فهي مصنوعة من مادة البوليمر غير ضارة بالبيئة وعمرها أضعاف عمر العملة الورقية، مشيرا إلى لن يتم استبدال النقود البلاستيكية الجديدة بالنقود المتداولة في السوق حاليا.

وقال مصدر مسؤول في البنك المركزي المصري، إن النماذج المتداولة لصور العملات البلاستيكية فئتي العشرين جنيها والعشرة جنيهات التي تم تداولها هي نماذج مبدئية وليست نهائية وقابلة حاليا للتطوير.

يعمل البنك المركزى المصرى في الوقت الحالي، على دراسة التصميم الخاص بعملة الـ 20 جنيها البلاستيكية المزمع طرحها في وقت قريب، مع دراسة المقترح بضرورة تضمين العملات البلاستيكية تقنية خاصة بالمكفوفين ضعاف البصر، أشبه بطريقة «برايل»، حتى يتمكنوا من التعامل بها دون التعرض للنصب والسرقة، ودون الحاجة إلى الاستعانة بآخرين
.

ولأهمية العملات وقيمتها التاريخية كمرجع حضارة نجد لها معارض ومتاحف . ويتراوح تاريخ تلك القطع إلى فترة ما قبل الإسلام، والأيام الحديثة للإسلام، وهي تمتد على مدى ألفين عام، ويتضمن المعرض أكثر من 330 قطعة نقدية.
وختاما يلخص لبيد بن ربيعة المال والحياة فيفول:

وما المال والأهلون إلاوديعة .. ولا بد يوما أن ترد الودائع

وما الناس إلا عاملون فعامل .. يتبر ما يبني وآخر رافع

فمنهم سعيد آخذ بنصيبه .. ومنهم شقي بالمعيشة قانع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه .. يحور رمادا بعد إذا هو ساطع