الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤

رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

أخبار عاجلة

طارق رضوان يكتب: “زوجتي والأدب: رحلة أدبية في عالم الحياة الزوجية”

بقلم: الدكتور طارق رضوان

في منزلي حياة متجددة لا تشوبها الرتابة الزوجية أو الكآبة، فلا ينال منا الروتين الزوجي، ولله الحمد، نحن نعيد ونزيد بالمعوذتين ونحتمي بهما. ولكِ يا حواء أكتب لتقتدي، فترتوي وتتعلمي.

زوجتي، زوجة أديب، وما الأديب إلا رجل يجيد نسج الحروف وصنع الكلمات، يرسم بها كل ما هو جميل ليريح النفوس المتعبة من زخم الحياة، ربما حبًا في الخيال، وربما هروبًا من واقع مهين. فلا تستهيني بقوة الكلمة؛ فإن لها فعل السحر، إذ تسري في الروح والجسد وتوثق العهد بينك وبين زوجك. كيف يمكن لأحد أن يقلل من شأن الكلمة وقد بلغ تأثيرها ما بلغ؟ فالكلمة قد تؤرق مضجعًا، تعكر صفوًا، تبدل حالًا، تريق دموعًا، توحش أنسًا، وتميت شعورًا. إنها تملك القدرة على تغيير المصائر.

ولأنني، يا كرام، أجيد بعض فنون الأدب، فإن لزوجتي رصيدًا من الغزل يكفيها غذاءً ونهرًا لا ينضب. أسافر بها إلى مدن لم أزرها وأزمنة لم أشهدها. نزور سويًا الحي اللاتيني ونحن جالسين على أريكة واحدة في بيتنا، نمسح دمعة من خد “البؤساء”، ونسعد كما نتمنى أن نمسح دمع أهلنا في فلسطين الحبيبة. أنا من جعلت لها من الصعب روضة… من زمن “الكوليرا” أمانًا لحبنا، فنُداوي ألم المجروحين ووجع المعذبين. وتارة أكون لها ناصحًا ومعلمًا، نزور “البندقية” لنتقي شر “تاجر البندقية” ولنعرف مكر اليهود أرباب الفتن والأذية.

نسافر في “قطار الشرق السريع” إلى “سمرفند”، ونرى في طريقنا “ألف شمس مشرقة”. نبحث معها عن “لقيطة إسطنبول” وعن “زقاق المدق” فنلتقي بـ “أولاد حارتنا”. ونشهد سويًا “الحرب والسلام”. أنا من علمتها “قواعد العشق الأربعون”، وأقمت على شرفها “وليمة من أعشاب البحر”، فدعوت لهذه الوليمة “زوربا، هاملت، دون كيشوت، وأنا كارلينا”. ودعانا الرائع شكسبير لتناول العشاء في قصر “King Lear” لنرى كم ماكرات بناته. ثم نخرج في حرس مهيب إلى الغابات ليرحب بنا “Tarzan of the Apes”.

تفرح زوجتي وأولادي برؤية “زوجات ويندسور”، وسيرون “Macbeth, Romeo and Juliet, Julius Caesar”. سيذكرون عنترة بن شداد عندما يرون “Othello” بسواده الشديد. نستمتع بالحديث مع الأقزام حين نصافحهم في “The Lord of the Rings”. نركب معهم “Black Beauty” ليحكي لنا أسرار الخيل ورقة شعوره. نرى مدى الظلم الذي تعرض له إنسان في “The Count of Monte Cristo”.

أخبرت زوجتي أنني اكتفيت بها “مائة عام من العزلة”، فلا تظني يومًا أنني سأستبدلك بـ”فتاة من ورق”. لا تخشى “رياح الجنوب”، لأنها ستجعل مشاعرنا تهيم في “فوضى الحواس”.

زوجتي، زوجة أديب، هي أم لعمر الخيام، لم تتأفف، بل كانت شاكرة لمستشفى الولادة حين رفضوا تسجيل أبنائنا بأسماء مثل “أوشو، بورخيس، هاروكي، نيرودا”، حتى بناتنا اخترنا لهن أسماء كلمات مثل “ونوكيا أو بلقيس”. لم نسكن بلدة واحدة بفضل القراءة، بل سكنا مدنًا عديدة في أزمان كثيرة وفريدة، فزرنا قرطبة وإشبيلية وغيرهما.

زوجتي لا تستغرب عندما تراني أضع كتابًا على وجهي فيطول هذا، فهي تعلم أن عيني ترقرقت بالدمع عند قراءة فقرة تركت أثرًا في قلبي. هي دومًا لا تحزن عندما تجد مكتبنا مليئًا بالكتب بينما ثلاجتنا فارغة، فهي تعلم أن الإنسان يأكل ليعيش وليس يعيش ليأكل.

هي زوجة أديب تعرف كيف تصالحني بكتاب أو بسطر من كتاب حين يصيبني الغضب.

وختامًا، تحية وسلامًا لكل زوجة داعمة لزوجها، لكل ابن له والد قارئ أو أديب. في نهاية مقالي، بات جليًا لكِ يا حواء أنك إن أردت العيش في أكثر من مكان وزمان، فتزوجي قارئًا، والأفضل أن تختاري شريك حياتك أديبًا… رجل يكتب، له حس وروح.

ملحوظة: ليس كل ما نكتبه يعبر عن واقعنا، إنما هو الأدب يا سادة، ففاقد الشيء يعطيه بغزارة.

عن أحمد شعبان

شاهد أيضاً

خراب غزة

“زنزانة وزنانة وضجيج مزيف” نجمة عمر علي تكتب عن الحرب

بقلم: نجمة عمر علي كيف نفهم حرية الفعل الفاقد للإنسانية؟ وبأي معنى يكون التوحيد سبيلاً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *