الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤

رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

أخبار عاجلة

طالع الآن الجزء الثالث من قصة الكاتبة نجمة عمر “حصاد السنين”

تنشر لكم جريدة عيون المجلس الجزء الثالث من قصة “حصاد السنين” للكاتبة نجمة عمر علي.

مرَّ الليل طويلًا بحجم أيام السنة، كانت تحكم قبضتها على القلم، تروح وتجيء بعينين دامعتين. المقهى شاغر، وصدى أنفاسها يوقظ روحه العطشى. كان يراقب تفاصيلها وكأنه يرى جرح الشام يندمل. من فرط الحياء، كانت تدس وجهها بين تفاصيل ملامحه وتخبره بكل شيء موجع في أرض فلسطين. كانا يتقاسمان الوجع، والفم مغلق، والحب مبتور.

تنفس من خلف النافذة، فرسم طريقًا من بخار البرد. نادته في صمت، وذاكرة الغائبين تشاطرها الشوق. اقترب وخلع معطفه، رماه فوق كتفيها، وضمّها ضمًا قويًا. التحفت صبره ونعاس ليله، واتحدت مع قافية قصيدته. كتبت والشوق يستبد بها ويثأر، وطيفه يحتل كيانها:

“أراك لغتي ومسكني، والضاد مقصدي.
أغتال صمتك وأقتحم خلوتك، والصبر زادي.
أتلهف لرؤيتك، وأنت لنابض الوجد الرائي.
وطني محتل، واحتلالك يعجبني ويؤنس ألمي.
لو أدس وجهي الآن عندك، وأنبس بأدمعي،
انتظر لترى غرقي في فؤادك، ولا تنتشلني.
دعني أغرق، والنجاة ملمس كفيك على خدي المجعد.”

رفعت بصرها مقتفية أثر عطره وسط شوارع بيروت المقفرة، والسؤال عن مكان للمبيت ينهش صبرها. التفتت يمينًا ونادت ربها متوسلة الستر. دخل المقهى متطفل أجنبي سكير، اقترب من طاولتها النقية فغطت شطر وجهها بوشاح يشبه راية فلسطين.

استغاثت بروح تنتظرها. أغمضت عينيها، قرأت الشهادة، واستسلمت لمصير حظها. طال الانتظار ولم تشعر بعنف يداهمها. فتحت عينيها بتأنٍّ، فوجدت الحبيب قد سحب السكير للخارج وأبرحه ضربًا.

تنفست ووقفت كمن انتفض من تحت الركام، ركضت براية الوطن، وارتمت بين أحضانه تنعم بالأمان والسلام. شكرته على طريقتها دون أن تنبس بكلمة، وكتمت صرخة الطفلة المدللة.

عادت مسرعة إلى المقهى، حيث تركت حقيبتها المكتظة. لم يغادر، ولم يمشِ بعيدًا، بل ظل متسمِّرًا في مكانه يحتوي عطرها الخافت وشمس النهار تقترب.

كانت كالنجمة التي تاهت في الفضاء ووقعت على تراب أرض مغتصبة منتهكة. بدأ الليل بالتلاشي، وصوت محركات السيارات يقتحم الصمت كزنانة في سماء غزة تغتال ضحكات الصبايا. كانت غيرة مشروعة سببت ألمًا فظيعًا، ولذة العودة كانت بلسما وترياقا.

تغار عليه من عروة الفنجان، وأضواء السيارات، وشوارع مدينة جميلة الاسم. تغار ولا تقترب؛ كان أمرًا غريبًا بلا جواب معقول. كان غريبًا قريبًا بعيدًا، ساكنًا في الوريد. تحمله في طيات القصيدة ووجع الوطن. نفتها الظروف الغامضة وجاء به القدر إلى مخدعها. قصر بلا قلاع محصنة وحبل شاهق جسور. كزلال الفرات سال دمعها، وانساب يروي سهول العراق. حب صامد.

كمن رسم على الفؤاد آهًا وطرق باب قبر الأم الشكور. حنين يلازم الأفئدة، والنصر بيد رب رحيم. تقتات روحها على صبر محتوم وقدر في لوح محفوظ. كانت لغة الروح تغرد في عتمة نيسان. ولدت في تشرين وفرحة موؤودة. رواية بلا تفاصيل ولا حدود مضبوطة. هكذا هي قصة اللقاء والفراق، طريق تراب يتبعه النبض، ويوقظه من السبات خفق مزعوم. كرسالة بقلم مذبوح، كطير يراقص الوجع، كاعتذار من عشق ممنوع، كابتسامة على وجوه المرايا ووجه أمي أراه. كبراثن الفقد، تنغرس مخالب الأسد في القلب، وتنجرف اللوعة بلا نهاية.

هنا ينتهي الجزء الأول من قصة الكاتبة نجمة عمر “حسب الظروف” ومن الجدير بالذكر أن الكاتبة نجمة عمر قد نشرت في عيون المجلس من قبل عدد من القصص من بينهم “الغرف الفارغة” و”القاضية المذنبة“.

عن أحمد شعبان

شاهد أيضاً

رحلت اليوم عن عالمنا الفنانة القديرة ناهد رشدى

رحلت اليوم عن عالمنا الفنانة القديرة ناهد رشدى

كتبت/ هاجر الديب لا تزال أصداء خبر وفاة الفنانة ناهد رشدى متواترة في الوسط الفني، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *