الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤

رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

أخبار عاجلة

رحلة إلى عالم الذكريات والهوى بقلم الكاتبة التونسية نجمة عمر

كتبت: تغريد نظيف

في هذا النص الأدبي الساحر، تأخذنا الكاتبة التونسية نجمة عمر في رحلة تأملية عميقة في مشاعر الطفولة والذكريات المتشابكة مع الحاضر. من خلال لغة غنية بالصور والتعبير، تجسد الكاتبة تلك اللحظات التي تظل محفورة في الذاكرة، وكيف تظل بعض الأحلام الطفولية تعيش معنا حتى ونحن نتقدم في العمر.

يراودني بالأمس ذات شعور… زارني اليوم الماضي يعاتبني… أخللت بقواعد النحو عمداً…

خلف زجاج نافذة الغرفة عصفور يلتصق بسراب… ينقر الطير انعكاس صورته وكأنه يوزع القبلات… تسخر الشمس من عزيمته على معانقة صورته… عناق ظنناه بالأمس قريباً… عناق رأيناه اليوم بعيداً…

سؤالك الرتيب… ضحكتك الغريبة… تدخلك في شؤون لا تعنيك… اختلاف عن المعهود… في غرابة صار كل ما يزعجنا يسعدنا… كبرت عقولنا…

كلك يعنيني ولكن لا أسأل… لا أسأل خوفاً من شعوري النائم خلف موج البساتين… كل الأشياء تتبعثر ونعيد الترتيب في غرابة… هل هو نضج الأربعين أم هو خمول العابرين… أم هي حقيقة البداية منذ البداية وأسأنا الفهم والتعبير…

هل أنصافنا مجزأة لأربعين شبيه ونحن نعثر عليها بالترتيب… أو ربما نحن من استعجل البداية وارتمى بكله بلا تريث وانتباه لشباك العنكبوت…

يتسلل شيء في هدوء… بلا غضب ولا صراخ ولا بكاء نستجمع رويداً رويداً أنفاسنا التي تركناها هناك خلف أبواب المدينة العتيقة… هناك حيث رائحة الخبز وضجيج احتراق اللهفة… هناك حيث كنت أنتظر أن تطبع أمي قبلة على خدي الصاخب بالشامات…

كنت ألومها على كل تلك الفوضى وأسألها كيف طبعت كل تلك النقاط السوداء دون سؤالي… كانت تضحك وتزيدني قبلة وتطبع البسمة على ظفيرة شعري الحالكة… كانت تزعجني بقولها:

  • “كل تلك الشامات تسبب فيها خالك.”

كنت أغضب وأصرخ:

  • “من طلب منه أن يرسمها على وجهي… أنا أكرهها… هيا أخبريه أن ينتزعها…”

تضحك أمي وتنبس همساً:

  • “كلما قبلك خالك ترك نقطة سوداء وتلك قبلة الخال تترك أثراً لا يمحى يا حلوتي… وجميلة جداً أنت وهي تزاحم جمالك يا صغيرتي…”

وكبرت ونسيت أمر السؤال… أصبحت أمور مختلفة تشغلني، رأيتها أهم من كل ذلك الصراخ الغير مجدي…

ما نفع صراخي وتمردي وقد طبع خالي كل قبلة على وجهي وترك الفوضى كلها ونسي أمري…

كلما أراه أبتسم وأتذكر صراخي وغضبي منه وأنا طفلة، وأركض لحضنه وأتعمد طبع آلاف القبل على خده عساني أترك أثراً به يتذكرني كما فعل…

أفكار الطفولة غريبة وعجيبة ولكنها حقيقية وبسيطة… كحلمنا بفارس يحمل سيفاً وأملنا في أن لا يهدم الموج قصرنا الرملي الذي نحترق تحت الشمس ونحن نبنيه… ونبني سداً بيننا وبين الموج حتى لا يتبلل رمل الشاطئ…

كلما تذكرت أفكاري أبتسم وعبثاً أحاول أن أصير كأمي وجدتي وخالاتي… وتسيطر فكرة أن خالي قد استعمر وجهي لا تغادرني…

لم أطلب منه أن يوثق كل تلك القبلات… ماذا لو كان بيدي أن أختار من يوثقها… لو كان الأمر فعلاً بيدي لتركتك تؤرخها أنت وليس خالي…

الغريب أننا عندما كبرنا ما زلنا نبنيه مع أطفالنا على حافة الموج ولا نبتعد قليلاً ليبقى القصر… نحن نبنيه على نفس المسافة ونحن أطفال وكأننا نكبر ولا تكبر أحلامنا… ويجف دمعنا ولا يجف الهوى فينا…

عن أحمد شعبان

شاهد أيضاً

رحلت اليوم عن عالمنا الفنانة القديرة ناهد رشدى

رحلت اليوم عن عالمنا الفنانة القديرة ناهد رشدى

كتبت/ هاجر الديب لا تزال أصداء خبر وفاة الفنانة ناهد رشدى متواترة في الوسط الفني، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *