عيون المجلس سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ،ليبرالية شاملة
كتبت/ نجمة عمر علي
جلست مهترئة الفؤاد ذات صباح مختلف تكتظ فيه أنفاس لاهثة مرهقة من ليل بارد سحيق..كانت لأصوات الطفولة رنين مدوي..صوت تشغيل محرك السيارة عطل دورة الخيال..
ألقيت الهاتف ورسالته الغارقة في نوع جديد من الحبر المغموس في فراغ الذاكرة..حركة المرور أثارت اشمئزازي كامرأة تحاول منافسة الرجال في افتكاك الأولوية عند طريق معبد ملتوي التواء الأعناق المشرئبة لنيل نظرة خاطفة لتلك الشعثاء..
ملايين الكلمات تصرخ للخروج من معتقل العقل والأنامل تطبع قرقعة خفيفة على أطراف المقود المهترئ..
يقتات على تلك النصوص المملة الكثير من من يفهمون الحقيقة وبعض من الإطراء كنت أحتاجه لأكمل اليوم الصاخب..ألتفت حينا بعد حين لليمين حيث ركنت السيارة السوداء وأخدع أيسري بوجود من أحتسي معه فنجان السمراء..أفرغت هذه المرة كيسا مظغوطا بحجم واحد من الغرام من حبات السكر الخشنة ونظرت من حولي لكل الفراغ في ذات المقهى الذي يراقبني فيه النادل الوسيم خلسة..أمسك بنظراته التي تلاحق صمتي وهدوء ارتشافي الفنجان..فأفلح في تجاهل اهتمامه المفرط بعد عدد مرات رفعي الفنجان وربما لنظراتي المختصرة لثرثرتي المزعجة..يراني أراوغ لوحة المفاتيح فيظنني أراسل حبيبا..فأسخر من ظنه ..يلفظه الفضول ليسألني كل صباح لماذا تتأخرين صباح على غير العادة..أظنه اعتاد صمتي الذي يدغدغ تلك الكراسي الشاغرة..شعرت بالملل فجأة وهممت بالرحيل..أسرع متحججا بتنظيف رواسب حبات السكر المبعثرة..ابتلع ريقه الجاف ودخن سيجارة متآكلة تقضم بقاياه..
_ طاب يومك سيدتي..آنستي..عفوا ..أظن يومك حافل اليوم
كنت فطنة وأذكى من تصرفات الأطفال ..
_ صباحك أنا أظنه ..كل صباح تسألني نفس السؤالين فلا تقلق لن أتأخر ربما صباح الغد لو استفاق الأطفال أبكر مني..
_ عفوا..لم أقصد…
_ لا عليك..كنت أمزح مزاحا ثقيلا..
طأطأ رأسه وقد احمرت وجنتاه من تحت لحية كثيفة واستهل طريقه لخدمة حريف مستعجل الوصول للمدرسة..
كنت أسرع من تجهيزه لفنجان القهوة في المغادرة..
من المرآة الجانبية كنت أراه يلاحق عجلات السيارة بعينيه الناعستين..كنت أسمع عقارب ساعته اليدوية التي تنبهه كل دقيقة أن صباح الغد قريب ..
مازال الصباح بعيدا..هكذا كنت أردد في الخفاء مني وأرسم ابتسامة الصباح على كل عين ترمق وهن زمني فوق السطور.
ذات صباح كنت صباح أحدهم..
وأنت ماحال الصباح عندك ؟
أو دعني أغير العبارة متمردة:” كيف حالي عندك؟”
أمازال يسكنه نفس المتأخر عن النهوض في نشاط الصبح؟
صباحي أنت يا وطني..
