بقلم: طارق رضوان
حتى وإن تعطر الرجال بأفخم أنواع العطور، فستبقى رائحة الرجولة أفعالًا وأقوالًا.
يقول أبو العلاء المعري:
مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ
فقلّدَ شكلَ مَشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ فقالوا
بدأتَ به ونحنُ مقلِدوهُ
عزيزي الذكر: «عفوًا» سيدي الرجل: هل تعلم الفرق بين «الذكورة» و«الرجولة»؟ هل تعلم أن هناك مواقف أثبتت أن من النساء من هن أشد رجولة وثباتًا من كثير من الذكور؟ الرجل: قد يُطلق ويراد به الذكر: وهو ذلك النوع المقابل للأنثى، وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع، كما قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون).
وقد تطلق الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح، وهو ما نريده نحن هنا. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف. وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى). فهي صفة لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ). وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). إنهم الأبرار الأطهار: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).
متى تسقط الرجولة عن الرجل في نظرك؟ إذا سقطت منه الشهامة والمروءة، وخيانة العهد ونقض الوعد، وسقوطه في المحرمات والشهوات، وأن يكون كاذبًا ومنافقًا وأنانيًا، وهروبه من المواقف والشدائد، وأن يكون سيئ الأخلاق والطباع، ويتخلى عن الفضائل ويتحلى بالرذائل.
إن ظننت للحظة أن باستطاعتك إثبات رجولتك بالتحدث عن نفسك، فأنت حتمًا مخطئ. فالرجولة تُشعر وتُلمس وتُرى، تعيش ملاصقة لصاحبها كظله، يراها الجميع إلا هو، تحضر معه إن حضر فتضيف لحضوره هيبة وسحرًا، ولا تغيب إن غاب فتُطبع في عقول الناس تمامًا كما تُطبع ملامح صاحبها.
فالرجل، ولا أقصد الذكر، إذا أحب امرأة سقاها من كأس حنانه. الرجولة كنز، فهي تقود إلى النجوم، بينما الذكورة تقود إلى الموت. الرجولة هي أن تقاوم هوى نفسك وتحبسها عن الدنيا، فحاكم نفسه أقوى من حاكم مدينة: (والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.”
الرجل المصاب بداء الحب يتحول من صياد إلى طريدة، يتحول إلى حارس أمين على محبوبته. الرجولة شجاعة، فعِش يومًا واحدًا كالأسد خير من أن تعيش مئة سنة كالنعامة. فالجبناء يهربون من الخطر، والخطر يفر من وجه الشجعان.
ولأن الرجولة والأنوثة بينهما ترابط قوي، بل هما وجهان لعملة واحدة، تجد أن الرجل جذع الشجرة وساقها وأوراقها، أما المرأة فهي ثمارها. وقوة الرجل في عقله، بينما تكمن قوة الأنثى في دموعها، وبالمثل ليس كل امرأة أنثى. الرجل هو المادة الخام التي تعمل فيها المرأة اللمسات الأخيرة.
الرجولة أسمى ما يمكن أن تبحث عنه المرأة في الرجل، فإن وجدته وجدت الحب الذي لا يذبل، والتواصل الذي لا يُقطع، والثقة التي لا تُخدش. متى وجدته وجدت إشباعًا لقلبها وعقلها، وحظيت بمن يصلح لأن يكون رفيقًا لدربها في الدنيا والآخرة.
الرجولة أهم الصفات الإنسانية لأنها الصفة التي تضمن باقي الصفات. لا تكن جبانًا فتموت آلاف المرات، ولكن كن شجاعًا، فالشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة. الرجولة أن تخلق من اليأس أملًا، لأن اليأس فيه طعم الموت، ولأن الشجاعة معنى الحياة.
الرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر. فهي مضمون قبل أن تكون مظهرًا، فابحث عن الجوهر ودع عنك المظهر.
لن تقوم لنا قائمة إلا إذا أدرك الرجل أنه ساق هذه الأمة وساعدها، يتحلى بالشجاعة والعفة وبالأخلاق العالية، وتدرك المرأة أنها زهرة هذه الأمة، شيمتها الأخلاق والحياء والصفات الحميدة.
الرجولة لا تُشترى بالمال ولا بالكلام، فهي عمل بطولي لا يُصنع في النوادي الرياضية ولا يُقاس بأرقام الحسابات البنكية، فهي كلمة حق وموقف حق، نصرة للمظلوم على الظالم، وابتغاء وجه الله في كل قول وفعل.