الإثنين ٢٥ أغسطس ٢٠٢٥

رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

الحركة ما بعد الإنسانية تنطلق من إيمانها بأن تجاوز حدود الفناء قد يغدو احتمالًا واقعيًا في المستقبل.

يونس عاشور – YOUNES ASHOUR

تخيّل عالماً يصبح فيه الإنسان أقرب إلى “سوبرمان” – كائن فائق القدرات تحرر من أغلب قيوده البيولوجية، وتضاعف ذكاؤه مرات عدة مقارنة بإنسان اليوم.
تخيّل حياة بلا أمراض ولا آلام.

قد يبدو هذا المشهد مأخوذاً من رواية خيال علمي، لكنه في الواقع يعكس جوهر فكر حركة تُعرف باسم ما بعد الإنسانية (Transhumanism)، وهي تيار فكري–علمي يروج لفكرة اليوتوبيا التكنولوجية، وقد ازداد الاهتمام به في العقود الأخيرة مع تسارع وتيرة التقدم العلمي.

لكن ما هي هذه الحركة؟ ولماذا تثير رؤيتها لمستقبل البشر قلقاً وجدلاً واسعاً؟

ما هي ما بعد الإنسانية؟

ظهر مصطلح “ما بعد الإنسانية” في ثمانينيات القرن الماضي، ويشير إلى اتجاه فكري يدعو إلى دراسة الفرص التي يتيحها التطور التكنولوجي من أجل تحسين حياة البشر وتجاوز حدودهم الطبيعية. وتعتمد الحركة على علوم عدة مثل الذكاء الاصطناعي، والهندسة الوراثية، وتكنولوجيا النانو، والمعلوماتية.

ويعتبر البعض أن ما بعد الإنسانية امتداد لحركة الأنسنة (Humanism)، لكن مع فارق جوهري: فبينما ركزت الأنسنة على التعليم والثقافة والفلسفة لتحسين الإنسان، فإن ما بعد الإنسانية تدعو إلى التطبيق المباشر للعلوم والتكنولوجيا لتجاوز القيود البيولوجية التي يفرضها الجسد البشري.

الفيلسوف السويدي نيك بوستروم، أحد أبرز منظّري الحركة، يرى أن خيارات “التعزيز الإنساني” تشمل إطالة العمر، وتحسين الصحة جذرياً، والقضاء على المعاناة غير الضرورية، إضافة إلى تعزيز القدرات الذهنية والجسدية والعاطفية. ويضيف بوستروم أن البشرية ليست النهاية، بل مجرد مرحلة في طريق التطور، وأن الاستخدام المسؤول للعلم قد يقودنا إلى كائنات “ما بعد إنسانية” بقدرات تفوق البشر الحاليين أضعافاً.

رحلة قديمة للخلود

فكرة التغلب على الموت والبحث عن الخلود ليست جديدة. فقد وردت في ملحمة جلجامش السومرية، وفي أساطير مثل ينبوع الشباب عند هيرودوت، وصولاً إلى عباس بن فرناس الذي حاول تقليد الطيور بأجنحة من صنعه. كما حلم فلاسفة عصر التنوير بالعيش طويلاً بصحة وعقل سليمين، مثل ديكارت الذي اعتقد بإمكان تأخير الشيخوخة، وكوندورسيه الذي تنبأ بأن الموت سيصبح في المستقبل نتيجة ظروف استثنائية فقط.

رواد ما بعد الإنسانية الأوائل

  • عام 1924، كتب عالم الجينات البريطاني جيه. بي. إس. هالدن مقالة تنبأ فيها بإمكان القضاء على الأمراض، وزراعة الأجنة خارج الأجساد، واستخدام الأحياء لتعزيز صحة الإنسان وذكائه.
  • أما عالم الأحياء البريطاني جوليان هاكسلي، فيُعتبر المؤسس الفعلي للحركة بعد أن صاغ مصطلح “ما بعد الإنسانية” عام 1957، مؤكداً أن البشر قادرون على تجاوز حدودهم والانتقال إلى وجود أرقى بفضل العلم.

تأسيس الحركة الحديثة

مع ثمانينيات القرن العشرين، بدأ التيار يتبلور في كاليفورنيا مع التركيز على التقدم في الحواسيب والفضاء والهندسة الوراثية. ومن أبرز رواده:

  • إريك دركسلر، الذي كتب عن آفاق تقنية النانو.
  • هانز مورافيتش، عالم الروبوتات.
  • ماكس مور، الفيلسوف الذي أسس معهد “الإكستروبيا” ودعا إلى السعي نحو الذكاء والحكمة وإزالة القيود البيولوجية والثقافية والسياسية.

وفي التسعينيات، ظهرت فكرة “الإكستروبيا” التي آمنت بإمكان العيش لفترات طويلة، بل وإعادة إحياء الأجساد والعقول المجمدة بالتقنيات المستقبلية.

وفي 1998، أسس الفيلسوفان نيك بوستروم وديفيد بيرس “الرابطة العالمية لما بعد الإنسانية”، التي أصبحت لاحقاً تعرف باسم Humanity+، وطرحت رؤية أكثر شمولية وأخلاقية لاستخدام التكنولوجيا لتحسين البشر والتخلص من الأمراض والمعاناة.

التفرد التكنولوجي وانفجار الذكاء

يرتبط الفكر ما بعد الإنساني بمفهوم التفرد التكنولوجي (Technological Singularity)، أي النقطة التي يصبح عندها التطور التكنولوجي أسرع من قدرة الإنسان على استيعابه أو التحكم به. وقد تنبأ علماء مثل إيرفينغ غود وفيرنون فينج بأن اختراع “آلة فائقة الذكاء” سيؤدي إلى انفجار معرفي يتجاوز ذكاء البشر، وربما يكون آخر ما يخترعه الإنسان بنفسه.

ومن أبرز المتحمسين لهذه الفكرة المخترع الأمريكي راي كيرزوايل، الذي يرى أن التفرد سيمكن البشر من تجاوز حدود أجسادهم وأعمارهم، وربما العيش بالقدر الذي يريدونه.

بين الحلم والقلق

تتراوح مواقف الناس من ما بعد الإنسانية بين الإعجاب الممزوج بالأمل، والخوف من فقدان السيطرة على التكنولوجيا. البعض يرى أنها وعد بالخلاص من المرض والموت، وآخرون يعتبرونها تهديداً للهوية البشرية وللمعنى الفلسفي للحياة.

عن عيون المجلس

شاهد أيضاً

“قرمشة”

بقلم المهندس/ أحمد ذكى هى فراشه..تطير وتحلق....وجهها كالقمر....تتزين ببستانها....ترى فى عيونها نجوم..تسبح فى الليل..وفى ضحكتها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *