
كتب الكاتب الصحفي طه هيكل قصة قصيرة لعيون المجلس بعنوان “رائحة الأوراق”.
بقلم/ طه هيكل
يقلب في أوراقه ما بين الحين والآخر يتذكر حروفه، لكل ورقة عطرها، ولكل سطر ذكراه، لكل حرف مناسبة، طقوس غريبة كان يمارسها وهو يكتب وطقوس أغرب وهو يقرأ بقلمه المُذَهّب الذي أهدته إياه صديقته (نيفين) لا ينسى ذلك اليوم وهو يهاتفها هل سنلتقي؟
أجابته: نعم و”ماما جاية معايا انتظرنا في الكافيه عند المدخل الجانبي “.
سرح قليلا في نبرات صوتها وهي تقول له: “هتوحشني لحد ما أشوفك، متنساش أنا مجهزة لك مفاجأة!”
جلس يخمن ويستحث ذكاءه أن يسعفه؛ ليجيب عن تساؤله؟ “يا ترى إيه هي المفاجأة؟”
ربما تهديه نفس العطر الذي أحضرته له من فرنسا في عيد ميلاده، أو رابطة عنقه التي ما تزال في غلافها كما هي ويوميا ينظر إليها يلبسها في لقائهما ثم يعيدها كما كانت، وربما وربما…
نظر في الورقة الوردية المزخرفة والمليئة بحروف اسمه واسمها نادر ونيفين، تناول الورقة ورفعها إلى أنفه ليشم رائحتها ويمرر الورقة جزءًا جزءًا كأنه يشم الحروف والكلمات.
ذهب في موعده وجدهما أمام مدخل الكافيه الأم، تتظاهر بأنها تتحدث في الهاتف ونيفين تنظر يمينا ويسارا لتراه مقبلا من بعيد فتتهلل أساريرها وترتسم على محياها ابتسامة لتظهر بوجه ملائكي.
قامت بتهيئة نفسها لاستقباله بحركة لا إرادية أغلقت سترتها وأصلحت من تدافع خصلات شعرها ليعاود التمرد فيغطي جزءا كبيرا من جانب وجهها.
استقبلته بابتسامة كأنها تحتضنه بعد غياب وأمها تصافحه بحرارة قائلة:
“حمدا لله على السلامة يا نادر، إيه الغيبة الطويلة دي”؟
اعتذر لها سريعا معللا الغياب بالانهماك في العمل للإسراع في تجهيز عش الزوجية.
“أخبارك إيه يا نيفين؟”
قالت والابتسامة تكشف عن ثناياها اللامعة البيضاء: “وحشتني اووي يا نادر”
جلسوا في الركن المعتاد وطلب لها عصير الموز بالفراولة وفنجانين من القهوة لأمها وله ثم فاجأته نيفين قائلة:
“غمض عنيك”!
تظاهر بأنه يغمض عينيه ولكنه ترك فرجة بسيطة بين أصابعه ليرى ما هي المفاجأة !لكنها استدارت وأعطت له ظهرها
قائلة:
“زي ما أنت ماتغيرتش وبحركة شفاهها بلا صوت قالت له وبرضه بحبك”.
أخرجت من حقيبتها تلك الورقة التي يحتضنها بكل جوارحه وكتبت له فيها جملة واحدة: “سأحبك حتى آخر العمر”. وفجأة تذكر أن الرسالة كانت هي المفاجأة فأعادها ليشم رائحتها من جديد.