
كتبت/ أنوار محمد القرموط
قال النَّووي ـ رحمه الله ـ أنَّ ما كان منه لمصلَحةٍ، وتطيِيب نفسِ المخاطَب ومُؤانَستِه؛ فهذا لا مانِع منه قطعًا, بل هو سنَّةٌ مستحبَّةٌ إذا كان بهذه الصِّفة.
والأصل في ذلك:
👈ما روى الترمذي في
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قالوا يا رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إنَّك تُداعِبنا، قال: «نَعَمْ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا».
✔وقال الحافظُ ابنُ حجَر ـ رحمه الله ـ:
«…والَّذي يسلم مِن ذلك هو المباحُ؛ فإن صادَف مصلحةً مثل تطيِيب نفسِ المخاطَب، ومؤانَستِه فهو مستحبٌّ»
✔وقيل بأنَّه مندوبٌ إليه بين الإخوان والأصدِقاء والخِلاَّن؛ لما فيه مِن ترويحِ القُلوب, والاستِئناس المطلوب, بشَرط أن لا يكُون فيه قذفٌ ولا غِيبةٌ, ولا انهِماكٌ يسقِط الحِشمَة»
ويجب ان تكون المُداعَبة لا تُنافِي الكمالَ؛ بل هي من توابِعه ومتمِّماته إذا كانَت جارِيةً على القانون الشَّرعي، بأن تكون على وَفق الصِّدق، وبقَصد تأليفِ قُلوب الضُّعفاء وجَبرِهم، وإدخال السُّرور عليهم والرِّفق بهم …، ومزاحه ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ سالِمٌ من جميع هذِه الأمور، يقَعُ على جهة النُّدرة لمصلحةٍ تامَّة؛ من مؤانَسة بعض أصحابِه، فهو بهذا القصد سنَّةٌ، إذ الأصلُ مِن أفعاله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ وجوبُ التَّأسِّي به فيها !!
👈الحكمة من شرعيَّته:
سبَق يتجلَّى لنا بوُضوحٍ أنَّ الحكمة مِن شرعيَّة المزاح هي: مُؤانسة الإخوان وتطيِيب النُّفوس؛ لأنَّ المزاح ما أُبِيح إلاَّ لما فيه من الاستِرواح، إمَّا للمازِح أو المَمزوح معه,
👈 ضوابط المزاح المشروع:
☀تحرِّي الصِّدق والبُعد عن الكذِب، والأصل في ذلك حديثُ أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قالوا: يا رسولَ الله! إنَّك تُداعِبنا, قال: «نَعَمْ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا»
وما روى المُبارك بن فَضالة عن الحسن ـ أي: البصري ـ قال: أَتَتْ عجوزٌ إلى النَّبيِّ ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فقالت: يا رسولَ الله! اُدع اللهَ أن يُدخِلَني الجنَّة، فقال: «يَا أُمَّ فُلاَنٍ! إِنَّ الجَنَّةَ لاَ تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ»، قال: فولَّت تبكِي، فقال: «أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لاَ تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ»,
إنَّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37)﴾ الواقعة: 35.
☀ أن يكونَ على الاقتِصاد, فلا إفراطَ فيه ولا مُداوَمة.
فالإفرَاط فيه: يُورِث كثرةَ الضَّحك والضَّغِينة في بعضِ الأَحوال, ويُسقِط المَهابة والوَقار, ويُشغِل عن ذِكر الله تعالى والفِكر في مهمَّات الدِّين.
وأمَّا المُداوَمة عليه: فإنَّها اشتِغالٌ باللَّعِب واللَّهو !
☀ أن لا يكونَ مَجلبةً للأحقاد أو محرِّكًا للضَّغائِن؛ فإن كان كذلك فإنَّه لا ينفكُّ عن تحريمٍ أو كراهةٍ عند أهل العلم ,
قيل: «لكلِّ شيءٍ بَدءٌ، وبَدءُ العَداوة المُزاح».
☀ أن لا يكون مروِّعًا أو مخيفًا للغَير، فإن كان كذلِك فهو مذمومٌ حرامٌ.
والأصل في ذلك ما روى عبدُ الله بن السَّائب بن يزيد عن أبيه عن جدِّه أنَّه سمع رسولَ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يقول: «لاَ يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا»
روى عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: حدَّثنا أصحابُ رسولِ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّهم كانوا يسِيرون معَ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في مسِيرٍ فنام رجلٌ منهم، فانطَلق بعضُهم إلى نبلٍ معه فأخذَها، فلمَّا استيقظ الرَّجلُ فزِع، فضحِك القومُ، فقال: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، فقالوا: لا، إلاَّ أنَّا أخَذْنا نبلَ هذا ففزِعَ، فقال رسولُ الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».
☀ أن يكون بجميلِ القول ومُستحسَن الفِعل، فيجتنب المازِحُ في مزاحه القولَ القبيح الفاحِش, والفعل السيِّءَ