عيون المجلس سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ،ليبرالية شاملة
بقلم: نجمة عمر علي
عندما يكون الحب بمذاق لون السماء، لا يحزن العصفور وهو في قفص.
كان البيت صغيرًا ومرتبًا رغم فوضى الواقع. في شباك المطبخ معلق قفص كبير تتوسطه أرجوحة، وعصفورا حب بلون الربيع. كانت العصفورة بلون السماء، وهو بلون السندس. كان يراقبها وهي تتأرجح في أمل وجمال، وكأن لونها لون الحرية، ولون السماء التي حُرم منها. كانت تهون عليه وحدته، شوقه للشمس، وأمله في رؤية القمر.
هطل المطر، فتبللت العصفورة. اقترب منها وحاول تجفيف ريشها بذلك المنقار المرتعش. اقتربت من قضبان القفص وابتلعت قطرة من الماء المنهمر. استوفت رزقها وأسلمت الروح لخالقها. رفرف الوحيد وصرخ بصوت عذب. كان نحيبه زقزقة يطرب لها بنو البشر. كانت تترنح، فظننت أنها ترقص أو تحاول أن تغفو. كانت الأرض صلبة، فتعسّر حفر قبر صغير، فدفنتها وسط الحشا.
حتى بعد موتها، كانت كل الأرض قاسية ومعبدة ولا مكان لوضعها تحت السماء. كنت أحفر بملعقة من حديد فاخر قبرًا صغيرًا لا يسع حزني ولا أحلامها. كانت تؤنس وحدة كل السماء. كانت جميلة جدًا بطعم الوفاء والصبر.
عاشت محتجزة تزقزق كل صباح بلا خوف لأن المؤنس لها كان سكنًا ورحمة وأمانًا. لم تشعر أنها في قفص، ولم تكن شغوفة بلحن السماء. كان لها السماء والحرية. كانت تدفن وجهها وسط جناحيه الصغيرين. كان يسع كل خوفها. كان عالمها الصغير. كثيرًا ما كنت أتمنى لو أنني عصفورة في قفص ولا أشعر بالخوف، ولكن روحي الجامحة تأبى الأسر وتحلم بجناحين للحرية. فكلما اشتقت لوجه أمي، أتمنى كل أجنحة العالم. الموت تحت السماء أجمل من الموت خلف الحديد.
هل ستجادلني العصفورة أمام ربي لأني سجنتها في قفص؟ هل أشتري عصفورة جديدة أو أطلق سراحه ليموت تحت السماء حرًا طليقًا؟ أو لعله اعتاد الأسر والفقد؟
عاشت سعيدة رغم الحجز. عاشت أسيرة مع من تحب. عاش يحلم بالسماء. ماتت، فنسي الحلم وكره المطر.
عصفور الحب عندما يتبلل بالمطر يموت، والإنسان يغرق في المطر ولا يموت لأنه لا يعرف الحب… أو هكذا أظن وحدي… أصبحت أكره المطر.
ربي، غيثًا يجبر كل كسرة خاطر.
