بقلم: طارق رضوان
العبرة ليست بفستان الفرح… فالمانيكان عذراء إلى الأبد، تتبدل فوقها فساتين الزفاف! العبرة ليست بخاتم زواج، فقد يدفنك في طيات النسيان خاتم زواج لزوجٍ آخر، غير من أحبه قلبك… العبرة ليست بفرحٍ باهظ لا يليق بجرحك، وبأطباق من خيبة محبتك.
يُحكى عن رجل تزوج امرأة لم يخترها قلبه، بل فرضتها عليه نساء عائلته، رزق بابنة أطلق عليها اسم حبيبته القديمة، علّق في عنقها قلادة تحمل ذكرى الماضي، ثم نشر صورتها قائلاً: “هذه ثمرة الحب.” وهذه جارتنا تزوجت رجلاً غير الذي أحبته، أنجبت طفلًا وأطلقت عليه اسم حبيبها السابق، نشرت صورته وكتبت: “هذا ما تبقى من الحب.”
بمحاولة جارتنا تلك أن تمحو ذكرى حبها السابق من حياتها وذاكرتها، ستنجب لها ما يشبه أوجاع الولادة المتكررة، ستنزف دماء تسيل من جسدها، لتطهّرها من حب تغلغل بداخلها.
سترتدين فستانك الأبيض المطرز بنسيان حبيبك السابق، لتبتسمي ابتسامة زائفة، لتخدعي العالم من حولك بأنك سعيدة، لكنكِ للأسف عزيزتي ما ارتديتِ سوى خاتم الوحدة والعزلة.
أنت أيضاً عزيزي الشاب، ستستيقظ يوماً ما من كابوسٍ ثقيل، بعد ليلة فرحٍ خالية من أي دفء، كما اخترت أن تكون. ستواجه صباحك المعتاد، تستعد ليومٍ شاق، وزوجتك تزيّن وجهك بقبلةٍ عابرة تحملها طفلة ستحاول الابتسام، لتبدو سعيداً كأي رب أسرة. لكنك ستسير في الحياة مغمض العينين، لتتفادى نظرات الحنين التي تلمع في عيني زوجتك، هي أيضاً قررت أن تدخل هذا القفص لنسيان رجلٍ آخر معك.
ستتزوجُ امرأةً تقولُ نعمَ بلا سببٍ، متكررة بلا اختلاف، توازي الأخريات في كف الميزان، هزيلة أخف من رائعة، تطهو ألذَ طعامٍ لا يتقبلهُ جوعكَ، لنْ يشبعَ نهمُ جسدكَ في حضنها. ستتزوجُ امرأةً غبيةً، تضحكُ معَ الجاراتِ على انتكاسةِ قلبِ امرأةٍ يكرهنَ حضورها، ساذجة حد البلاهة، فارغة، لنْ يهمها الأخبارُ ولا كثرة التفاصيلُ التي كنتَ ستشاركها مع حبيبتك.
سترقصُ معكَ نعم، لكنْ لنْ تحركَ في قلبكَ شعرةَ رضا لأنها تهزُ مؤخرتها فقط، ستعج بالمهانة، ولن تحركها المشاعر قط، ستثيرُ جنونكَ. سترتبطُ بامرأةٍ خصبةٍ حتماً، لكنَ حبيبتك هي الأرضُ… هي الأصل. ربما ستنجبُ لكَ منْ الأبناءِ كلُ عامِ مصيبةٍ تثبتك بمسامير الأبوة لأطفال من ظهر أحزانك كيْ تصير ملكاً لها لتحكمك في قبضةِ يدٍ.
ستغريكَ بالأبناءِ الذكورِ إلى أنْ يتعفن بيتك برائحة العفن، ستعيش في بيتك غير الآمن، امرأة لك ستكون وستدورُ حولكَ بلا سمعٍ، ستجادلُ الصمتَ في حواراتكَ معها.
ستتزوجُ امرأةً لترى الحبَ ذهباً ومجوهراتِ، والمالَ منك صداقَ مودةِ، امرأةٌ تظنُ بأنَ جسدها عورةً ستشتريهُ للأبدِ بمهرٍ مقدمٍ. ستسقطُ في قاعِ المصائبِ ولنْ تجدَ يدَ عونٍ من الحبِ لينقذك من الفخاخ نحوَ القمةِ.
سترتكب مصيبة الزواج من امرأة لا تشعر ببؤسك، وتهجر حبيبة هناك تسكن الظلام، تجامع الحزن، عروسة ما كان ثمنها سوى الحبَ، ومهرها الأمان، وهداياها العطف، ورجاؤها حقيقةَ مروءةِ الرجولة!
حبيبتك… بكامل عذريتها لن تعرف طعم القبلة إلا من فم الحزن، فهي في صالون السيدات شاعرة، وفي العمل تمارس الحب كفن، ولها من المواهب العديد والمتميزة، لكن لا أحد يدري، ولا أحد يفهم أينما كانت أنها وحيدة رغم كل هذا الامتلاء!
لن تجد امرأة تقبل بك كما فعلت حبيبتك. أنت الذي كنت ترميها في العتمة، فتضيء الغرفة بنارها، تعيد ترتيب كل شيء من الفوضى، وتحبك رغم كل شيء. لن تجد امرأة تحتضنك كما فعلت هي. حينما كنت تدير لها ظهرك، كانت تسندك بظهرها كي لا تسقط تحت وطأة الحياة.
عزيزتي الزوجة البائسة، ربما تموتين في بيتِ رجلٍ لا يعرفك، لا يدركُ كيف تُؤوكل الأكتاف، حبّه عقيمٌ. ها أنتِ ممددةٌ على سريرِ الموت تُحيطُ بكِ بقايا أبنائك وأحفادك تودّعون بعضكم بصمتٍ، حينها ستكرهين أن ترفعي عينيك إليه، ذاك الرجل الذي كنتِ زوجته في فراشٍ وهميٍّ نسجهُ الخداع والتقليد.
ربما تموتين حافيةً، ترتجفين بردًا، تجوبين الشوارع بحثًا عن حذاءٍ يأخذك نحو الحب بعد زواجٍ خائبٍ غُلِّف بالزيفِ والمظاهر. ربما تموتين وحيدة في بيتٍ مهجورٍ بين أسوارهِ، ضجرةٌ من الصمت، وفي قلبك قصيدةُ شوقٍ لن تُقرأ، ستُدفنُ معكِ في قبرِ القلبِ إلى الأبد.
ربما تموتين بعيدةً عن صخبِ الحروبِ والمجازر، لكن داخلك ساحةُ معركةٍ وحشيةٍ خسرتِ فيها الحياة وربحتِ خلوةً مع الموت.
وختاماً، فخيمة الحزن التي تكبر مع مرور السنين ستذكّرك دوماً أنك لم تنسَ، وهي كذلك