
كتبت: سارة العباسي
حمّلت مصر، اليوم الثلاثاء، إثيوبيا المسؤولية الكاملة عن غرق مساحات من أراضي «طرح النهر» بعدد من القرى المصرية خلال الأيام الماضية، معتبرة أن ما حدث نتيجة مباشرة لـ«الإجراءات الأحادية» التي تتخذها أديس أبابا في إدارة مياه نهر النيل دون تنسيق مع دولتي المصب، مصر والسودان.
وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الهولندي، دافيد فان فييل، في القاهرة، إن «إجراءات إثيوبيا الأحادية، التي سبق التحذير منها، تسببت في غرق العديد من الأراضي في السودان ومصر»، مؤكدًا أن ما جرى «يكشف مدى رجاحة الموقف المصري الداعي إلى ضرورة الإخطار المسبق والتنسيق الكامل مع دولتي المصب قبل أي تصرف يتعلق بالنهر».
وشهدت محافظتا البحيرة والمنوفية خلال الأيام الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في منسوب مياه النيل، ما أدى إلى غمر مساحات من الأراضي الزراعية ومنازل تقع ضمن ما يعرف بأراضي «طرح النهر»، وهي مناطق منخفضة داخل حرم النهر تتعرض للغمر عند زيادة التصريفات المائية.
وأشار عبد العاطي إلى أن بلاده «ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة، اتساقًا مع القانون الدولي، لحماية أمنها المائي»، مؤكدًا خلال لقاءات منفصلة مع وزراء خارجية ألمانيا وسلوفينيا على أن «الأمن المائي يمثل قضية وجودية لمصر»، داعيًا إلى تعزيز التعاون وفقًا لقواعد القانون الدولي لضمان مصالح جميع دول حوض النيل.
من جانبه، قال عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، إن تحميل إثيوبيا مسؤولية الأضرار التي لحقت بمصر والسودان «يشير إلى توجه واضح من القاهرة لاستخدام كل الوسائل الدبلوماسية لحماية أمنها القومي المائي». وأوضح أن فتح بوابات «سد النهضة» بشكل غير منضبط أدى إلى تدفقات مائية مفاجئة، تسببت في غمر مساحات من الأراضي المنخفضة، مؤكدًا ضرورة تحرك دولي للضغط على أديس أبابا لتغيير سياساتها الحالية.
وفي السياق ذاته، أكّد الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، أن ما تعرضت له مصر من أضرار «نتيجة مباشرة لفتح بوابات السد دون التنسيق المسبق»، مشيرًا إلى أن القانون الدولي واتفاقية «إعلان المبادئ» يلزمان إثيوبيا بالتشاور مع دولتي المصب قبل اتخاذ أي خطوة تؤثر في تدفقات المياه.
وكانت وزارة الري المصرية قد اتهمت إثيوبيا مؤخرًا بـ«تصريف نحو ملياري متر مكعب من المياه المخزنة في سد النهضة دون مبرر»، معتبرة أن ذلك يعكس «عشوائية إدارة السد». وردت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية ببيان نفت فيه مسؤوليتها، وأرجعت الفيضانات في السودان إلى «زيادة تدفق مياه النيل الأبيض».
ويرى خبير الشأن الأفريقي في «مركز العرب للأبحاث والدراسات»، رامي زهدي، أن التحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة تأتي في إطار «تدويل أزمة السد بشكل شرعي ومنظم»، بهدف حشد دعم دولي للضغط على إثيوبيا وتغيير نهجها الأحادي.
وأضاف أن ما حدث يؤكد صحة التحذيرات المصرية المستمرة منذ أكثر من 14 عامًا بشأن مخاطر المشروع الإثيوبي، مشيرًا إلى أن الخسائر المائية أجبرت مصر على إنفاق مليارات الجنيهات في مشروعات التحلية والإصلاحات، كان يمكن تجنبها لو التزمت أديس أبابا بالتنسيق المشترك.
ويُذكر أن إثيوبيا كانت قد افتتحت سد النهضة رسميًا في سبتمبر الماضي على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وسط استمرار اعتراضات مصر والسودان ومطالبهما باتفاق قانوني ملزم ينظّم تشغيل السد ويضمن عدم الإضرار بحصصهما المائية.