
عيون المجلس
ظهور مافيا تهريب الرمال السوداء
ظهرت ببعض الدول عصابات ومافيا تخصصت في تهريب الرمال السوداء, هذا ما أشارت له تقارير دولية نتيجة حجم المكاسب والأرباح الضخمة من هذا المورد الطبيعي النادر, فيما أبدت تقارير أن بعض الدول قد أقرت عقوبات تتخطى عقوبات الإتجار في المخدرات وتجارة السلاح, ضد كل من يُهرب هذه المادة أو يُتاجر فيها بشكل غير قانوني.
مصنع الرمال السوداء بكفر الشيخ
الأمر الذي يأخذنا, لواحدة من أهم المشاريع المصرية في العهد الحالي, وهو مصنع الرمال السوداء الذي تم الإعلان عنه مؤخرًا بمحافظة كفر لشيخ, وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.. بادئ ذي بدئ, مكان المصنع كان لاعتبارات وظيفية دقيقة جدًا, نتيجة حجم المخزون بالمنطقة التي تكون بها هذا المورد الحيوي والغني اقتصاديًا, والذي يتشكل على السواحل البحرية وخاصًة التي تلتقي فيها المياه المالحة بالمياه العذبة, ما جعل من محافظة كفر الشيخ واحدة من أكثر الأماكن ثراءً وعلى مدار آلاف الأعوام بتشكيل مخزون ضخم من هذه المادة.
المخزون المصري والجدوى المالية
التقارير الدولية أكدت, أن مخزون الرمال السوداء في مصر, يكفي لأكثر من 100 عام, بأرقام مالية تتجاوز 1 تريليون دولار (أي بمُعدل 10 مليار دولار سنويًا) هو حجم ثمن هذا المورد النادر, لكن ذلك الرقم المالي يتواضع بشكل مؤكد, عندما نعلم أن مُدخلات أي عملية صناعية تُمثل نسبة تقترب من نصف – أو أقل كثيرًا – من ثمنها النهائي, ومن أبرز هذه الصناعات, بعض صناعات الطاقة النووية, الصناعات الالكترونية, ولوحات الطاقة الشمسية والبطاريات وفلاتر تنقية المياه.. والأسلحة: مثل صناعة هياكل الطائرات والغواصات والصواريخ.
سوءة الأنظمة السابقة وإهدار المكاسب
ما تقدم يؤكد على أن جدوى مشروع الرمال السوداء, لا يتعلق بمصنع كفر الشيخ لفصل العناصر المعدنية المُشكلة لها فقط, ومن ثم بيعها, لكن بالقدر الأول استخدام جانب من إنتاج المصنع يليق بمصر, لتأسيس الصناعات المُرتبطة بمعادن الرمال السوداء.. وعدم تكرار ذات السوءة الادارية للأنظمة السابقة, في كل الأحوال, معادن الرمال السوداء شديدة النُدرة على سطح الكوكب, والطلب العالمي عليها من أضخم ما يكون, وكافة الصناعات المُستقبلية تعتمد عليها.. ربما بيعها كمادة خام يُحقق 1 تريليون دولار لمصر خلال 100 عام بمُعدل 10 مليار دولار سنويًا.. ولكن, الدخول في مجالات صناعاتها ربما يُضاعف جدوى المبلغ (1 تريليون دولار) إلى 5 تريليون دولار تقريبًا, بمتوسط 50 مليار دولار سنويًا.
سبب أهمية الرمال السوداء
تأتي أهمية الرمال السوداء كونها تتشكل عن طريق تفكك الشعاب المرجانية والأصداف البحرية, وتحتاج لأن تتكون الى آلاف السنوات, وما فيها من عناصر نادرة جدًا على سطح الكوكب, حيث تحتوي على 10 عناصر معدنية ذات طلب عالمي مرتفع, تم تحديد حوالي 50 صناعة لكل عُنصر منها على حدة, ما يُمثل حوالي 500 صناعة من أهم وأخطر ما يكون, خاصًة بتعلُقها بالصناعات المُستقبلية الصديقة للبيئة, ومن بينها صناعات مُشعة مُتعلقة بالطاقة النووية, ذلك بجانب التنوع الضخم في الصناعات التكنولوجية وصناعات الاتصالات التي تعتمد على مكونات الرمال السوداء كمُدخل أساسي في تصنيعها.
أحد أهم أسباب تخلُف مصر..!
السؤال المؤرق والذي ظهر على الهامش, هو كيف كانت هذه المادة بكل هذه الأهمية, والتي قد ساهمت بقدر كبير في الثورة التكنولوجية العالمية, ولم تسعى الأنظمة السابقة للاستثمار فيها أو حتى التطلع إلى ذلك, والاكتفاء ببيعها مادة خام, خاصًة لـ “تركيا” والصين, وإعادة استيرادها في صورة منتجات تكنولوجية وصناعية واستهلاكية بأضعاف أضعاف ثمنها..؟! لتبقى الإجابة غير معلومة, رغم انحصارها بين احتمالات الخوف من دخول السوق وبين التواطؤ (لأسباب) لإبقاء مصر خارج السوق لعقود كانت قد مثلت – زمنيًا – البنية التحتية لدول تقدر وتتقدم ودول لا تقدر وتتخلف عن التقدم.
خاتمة
في النهاية, ولارتفاع ربحية وجدوى الرمال السوداء, التي حفزت تشكيل عصابات ومافيا لتهريبها من بعض البلدان, نتمنى النظر بعين الاعتبار لعدم اقتصار الاستثمار فيها لفصل العناصر وتصديرها – برغم ارتفاع الربحية – إلا أن قيمة ضخمة من هذه الربحية تذهب في استيراد الصناعات المترتبة عليها مرة أخرى, أما اتخاذ منهج أنظمة سابقة وإضافة القليل من القيمة المُضافة إليه..! فنحن نثق أن النظام الحالي لا يتواطأ ولا يخاف, وربما كانت ثروة الرمال السوداء أحد أهم أسباب الحرب القائمة, التي تُحدد مكانة الدول في المُستقبل, ومكاسبها ومكاسب شعوبها وقدرتها على الحياة بشكل لائق بين الأمم والشعوب.