
كتب: أحمد أشرف
تزداد تعقيدات المشهد الدولي يومًا بعد يوم، حيث تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط مع استمرار حرب غزة، إلى جانب الصراعات المتفاقمة في السودان. وفي الوقت نفسه، لا تزال تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تُلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، بينما تتقدم التحديات المناخية بوتيرة مقلقة. وفي قلب هذه الأزمات، تبقى الحرب الروسية–الأوكرانية محورًا حيويًا يهدد استقرار أوروبا بأكملها.
مع دخول الحرب الروسية–الأوكرانية عامها الثالث (منذ اندلاعها في فبراير 2022)، تدخل الأزمة مرحلة حساسة جديدة. عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعادت خلط الأوراق من جديد، حيث بات دعم أوكرانيا ومنظومة الأمن الأوروبي خارج أولويات إدارته، وفق ما تشير إليه بعض خطاباته وتصريحاته الإعلامية. ترامب يصف الصراع بأنه “مغامرة غير محسوبة”، ويحذّر من انخراط بلاده في “حرب بالوكالة مع روسيا”.
وسط هذه المتغيرات، تتجه الأنظار إلى المبادرات الأمريكية الجديدة الرامية إلى وقف الحرب. ووفقًا لتقارير إعلامية غربية، من المنتظر أن تطرح الولايات المتحدة مقترحًا للسلام خلال اجتماع مرتقب في لندن، يُنظر إليه كفرصة أخيرة لتحقيق تسوية سلمية في شرق أوروبا. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن المبادرة المقترحة قد تتضمن وقفًا فوريًا لإطلاق النار، والاعتراف الروسي بأربعة مقاطعات أوكرانية تحت سيطرة موسكو، ورفعًا جزئيًا للعقوبات، إضافة إلى تعهد أوكراني بالحياد.
ورغم أن كييف لم تصدر موقفًا رسميًا من تلك المقترحات، فإن مؤشرات عديدة تُظهر تحفظها الشديد، خاصة أن المقترح لا يتضمن انسحابًا روسيًا أو ضمانات أمنية كافية. ويرى مراقبون أن واشنطن باتت تضغط على أوكرانيا أكثر من ذي قبل، في وقت تتراجع فيه قدرتها على الاستمرار في تقديم الدعم العسكري والمالي دون تأييد سياسي داخلي قوي.
في المقابل، لا تبدي موسكو حماسة كبيرة تجاه المبادرة. فبينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق وسائل إعلام روسية، عن هدنة مؤقتة لمدة يومين – في ما اعتبره البعض إشارة إيجابية تجاه المساعي الدبلوماسية – إلا أن الكرملين يطالب بضمانات إضافية، من بينها تقليص القدرات العسكرية الأوكرانية وتنحي الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
روسيا، التي تحقق تقدمًا ميدانيًا على أكثر من جبهة، تبدو في موقع تفاوضي أقوى، لا سيما مع بقاء اقتصادها صامدًا نسبيًا بفضل التبادل التجاري المتنامي مع الصين وبعض دول الجنوب العالمي، وامتناع هذه الدول عن المشاركة في العقوبات الغربية. ومع استمرار هذا التفوق، تستمر موسكو في المراوغة الدبلوماسية، أملاً في تحسين شروط التسوية.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، تقف إدارة ترامب أمام خيارين كلاهما صعب: الأول هو العودة إلى نهج بايدن بتكثيف العقوبات والدعم العسكري لكييف، ما يتناقض مع وعود ترامب الانتخابية بعدم التورط في نزاعات خارجية. والثاني هو الانسحاب من الوساطة وترك أوروبا وأوكرانيا بمفردهما في مواجهة روسيا، ما قد يؤدي إلى انتصار روسي ساحق يضع أوروبا أمام تهديد استراتيجي دائم ويهدد منظومة الأمن الأوروبي التي بُنيت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتتضح أولويات ترامب الخارجية من خلال التركيز على احتواء النفوذ الصيني، وتعزيز التفوق الإسرائيلي، والسعي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، مع إبقاء الملف الإيراني قيد الحوار أو التهديد بالقوة، بالإضافة إلى تقليص التزامات واشنطن الأمنية في أوروبا. كما تشير بعض المقابلات الإعلامية إلى أن ترامب يسعى لتهدئة التوتر مع روسيا بهدف فك شراكتها المتنامية مع الصين.