بقلم: نجمة عمر علي
وفي سبيلي أنا أموت وأنت تغرق، ولا أنجو أنا وتنجو بي يا أنا.
يا حرفًا يغيث لهفة القصيدة المترنحة المتصدعة كرقصة الطير الذبيح، والحب يعلمنا طقوس الدفن.
تكون أنت في لحظة غريبة عنك.
تكون أنت في وقت لا ينتمي إليك.
تجعل من نفسك أنت أنت، وليس أحدًا غيرك.
تتوعدك الندوب بالنضوج، والجروح بالاندمال، والوشوم بالانتحار.
ترتكب كبيرة قتل نفسك بيديك، ببقائك في ذات المكان الذي فيه ينحرك كئيب من العنق.
وهكذا البعض يعيشون حالة الاختناق، لأنهم يرفضون حقيقة أنهم هم كما هم، وليس مثلهم هم.
ويكون الرماد المحيط بالمقلتين كبركتين من شجن، وقليل من حب متروك، واعتراف مخدوش، وكرامة مبتذلة، وجسد ينهشه كلب بلا رحمة، وأمنية يغتصبها ضوء الشوق.
والأرض جافة، والصحراء تكتظ بصرخات الغرقى.
خطيرة أنتِ يا امرأة…
كرقصة تحت المطر، وزعنفة من ورق، وقلم من حبر الوجع.
وهذه أنا، هذه أنا متمردة على قواعد الصمت والهذيان.
غريبة عن فصول العشق المبتور.
لا أحتفظ بالأصوات في قوارير من البلور.
أحتفظ بالحب المغرورق في حدقة عيوني، في ركن صغير مكفن بدموعي.
أراكَ الحب الغريق، الغارق في بحوري أنا…
وهذه أنا، وهذا أنت.
هذا أنت وهذه أنا.
أنايا يا أنايا يا أنا ويا أنا.
مستبدة في غرامك يا أنا.
كن أنا، فلا بغيرك أكون أنا.
متناقضة هي فصول الهوى.
أنا الفصول الهاربة من سجون السنة.
أنا الغصون المزهرة، وشوك الصبار، والندم.
أنا الأرض المختلفة، المحتلة، والنصر، والقلم.
أنا وماذا بعدك غيرك أنا؟
ليس بعدي غيري.
أو هكذا هو غرور الأنا.
وهكذا هو جنون غيرتي.
من ذنوبك أغار.
من توبتك أغار.
من تلك، وتلك، وتلك، وتلك خلف ظلال الصفصاف المكسور، والماء المخدوع، والهواء المسموم.
غضون الصفصاف تهمس لي عن خروقات الوفاء.
وأواصل السير إليك بلا ندم على تورطي معك.
أنيني تسمعه وقلبي تسكنه.
عديم النفع صمتي، والهذيان، والجنون أنت.
تعلمني الصراخ وأنا الصرخة في جوفك.
تعالَ يا أنا.
نرقص رقصة المطر فوق الجثث المبعثرة.
نكسر عظام الطماطم ونسدل الستارة.
نغمض الفؤاد على الروح، ونقتاد نحو الوطن.
أنا الوطن يا أنا.
أنت وطني يا أنا.
هكذا هي الأنا يا أنا.
على حافة الحب أمشي.
لا الفرات يغريني، ولا دجلة تذهب عقلي.
ولا النيل يروي عطشي، ولا نهر الأردن يربكني.
ولا فنجان اليمن يسفكني.
أنا الربيع والخريف والشتاء والصيف.
والفصل الخامس من رواية الحرب العاقر… الضروس.
شعب أنا.
نص مختزل أنا.
أنا السلام.
الحب أنا.
الخرير، والريح، والعبث، والقانون، والصوت.
والتاريخ والالتزام.
الماجدة الثائرة أنا.
أقسمت لي وأقسمت لك.
الروح فداء الوطن.
في سبيلي تموت، وفي سبيلك لا أموت.
في سبيلي أموت، وفي سبيلي أموت.
وفي سبيل الوطن تموت أنت، والموت أنا.
أحبك كما أنا.
أحبك كما أصنعك في حرفي أنا.
أستنفذك وأرتوي بغبار ورق الصفصاف المحروق.
وغبار النجم يرشدك إلى حيث الشرود في الوطن المقهور.
حررني منك، وأوصد أبواب الليل.
أنساب بين جروحك كرائحة البارود.
أبتسم كمن ثمل من عطر الكافور.
هذا شال الوطن يلتف حول الرقبة.
هذا أنا أحبط كل محاولات هروبي.
شد وثاقي إليك.
تشبث ولا تطلق يدي.
كثوب أمي المعلق في خزانة زوجة أبي.
هي الأيام الضائعة خارج حدود وطني.
أنت وطني وأرضي وأنا.
أسيل رملاً، وأسيل لحناً، وأسيل قصيدة في وقت متأخر من عمري.
ولي حكاية مضيئة.
ومرار الشوق يشتت قوافي القصص القصيرة المهذبة.
وكأنك تمسك بروحي، وروحي تنتظر سماع صرخة المولود.
وتمسك بوجعي، وطفلي لا يصرخ، ولا يدخل الهواء رئتيه الصغيرتين.
ضمني إليك ضماً شديداً، فالبرد ينهشني.
ولا أملك ثمناً لجوربين.
كن لي ناراً لا تحرق.
جنتي أنت، وأنا سندسك، والسلوان.
أحبك يا أنا فوق الحب حباً، وكفى.