عيون المجلس سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية ،ليبرالية شاملة
بقلم: طارق رضوان
إذا مات الحب، فتعال نقتسم إرثه بيني وبينك والدموع شهود.. خذ أنت ذكرياتي كلها، وسأحمل أنا خيباتي وأعود.
هذا حوار دار بين سقراط ودوستويفسكي عن الموت والحياة والحب. الحب هو مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، خلق فأبدع، وهو أساس وسر الكون والوجود. فبه تصعد الجبال، وبقوته تغوص لأعماق البحار.
يسأل سقراط: هل تخاف الموت؟
فيجيبه دوستويفسكي: لا، بل أخاف الزمن.
سقراط: لا تهتم، هذا الوقت سيمضي.
دوستويفسكي: ولكن هذا الوقت هو عمري.
سقراط: معك حق، إنه لن يمضي وحيداً.
دوستويفسكي: وماذا يأخذ معه؟
سقراط: ما نخاف فقده، الموت لن يأخذ إلا ما تركه الزمن.
دوستويفسكي: وأنت، هل تخاف الموت؟
سقراط: بل أخاف الحياة.
دوستويفسكي: ولماذا؟
سقراط: لأن الرغبة في الحياة هي من يهزمنا، وليس الخوف من الموت.
دوستويفسكي: فكيف نهزم تلك الرغبة؟
سقراط: أن يكون في داخلك ما يتجاوز قيمة الحياة.
دوستويفسكي: مثل ماذا؟
سقراط: إيمان عظيم أو حب عظيم.
وأرى أنه كلما كنت على قيد الحياة، كلما زاد سلام موتاكم. فلا تموتوا وأنتم أحياء، فتزيدوا موتاكم موتاً فوق موتهم. احترموا وجهاتهم وكرّموا خلودهم، فالسماح لهم بالذهاب بسلام هو شعور حي للغاية. هم من يحتاجون أن نكون مرتبطين بالحياة، لمنحهم الدعاء، لمنحهم الابتسامة.
لا تموتوا مع أمواتكم، احتضنوا الحياة كأحلى إجلال. أكرموا أقدارهم دون حزن، أكرموا أقدارهم بالحب.
لا تحزني لموتي، ولكن اعتبريني حد مات مش هيرجع مرة تانية، وافتكريني لما كنت عايش جنبك كل ثانية، وافتكري أوقات حناني لما كانت روحي فيكِ قبل ما أعمل شيء عشاني كنت أعمل أنا ليكِ. أنا كنت عايش لجل حبك وأراضيكِ يعني شايف الدنيا حلوة بس شايفها بعينيكِ. مهما كانت تنزف جروحي كنت دايماً أنسى روحي والوجع، ولا عمره يفرق إلا لو كان يبقى فيكِ. كنت لك كل أهلك اللي دايماً يحسوا بيكِ، كنت أشوف الدنيا جنة وقت ما بتضحك عنيكِ.
الحب غني عظيم، يمكن أن يهب لنا الكون كله، وأن يجعلنا نكفّر لا عن خطايانا وحدها، بل عن خطايا الآخرين أيضاً. ففي الحبّ الحقيقي الروح هي التي تحتضن الجسد. لذلك يقول نزار: أحبيني كزلزال، كموت غير منتظر، أحبيني ولا تسألي كيف… أحبيني بلا شكوى… كوني الأرض والمنفى، كوني الصحو والإعصار، كوني اللين والعنف، أحبيني بألف وألف أسلوب.
ويدعمه قول محمود درويش: كما ينبت العشب بين مفاصل الصخر… وجدنا غريبين يوماً… وكانت سماء الربيع تؤلف نجماً ونجماً، وكنت أؤلف فقرة حب لعينيك غنيتها… أتعلم عيناك أني انتظرت طويلاً كما ينتظر الصيف طائراً، ونمت كنوم المهاجر… فعين تنام لتصحو عيناً طويلاً وتبكي على أختها… حبيبان نحن إلى أن ينام القمر.
الحبّ الحقيقي هو اقتسام بعض نفسك مع شخص آخر أقرب إليك من نفسك. فلا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب، ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها وهم مثل الموت. وفرْقٌ كبير بين أن تحبها لأنها جميلة، وأن تكون جميلة لأنك تحبها.
وها هو الرائع شكسبير يقول: ساعاتنا في الحب لها أجنحة، ولها في الفراق مخالب. وكذلك غاندي أدرك أنه طالما رمى سيفه فإن كأس الحب هو كل ما يستطيع أن يهديه لمن يتعرض له. ويرى فيكتور هوجو أن المرأة أبلغ من الرجل في التعبير عن الحب: قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه، ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله. فحب نيكولا تسلا يجعل البشر أكثر أناقة.
لكن لأن الكمال لله وحده، فللحب نواقص وتناقضات شأنه شأن كل شيء في الكون، وتلك سنة الله في خلقه. أو لنكن منصفين، هناك حب زائف. تحت شعارات الحب الزائف، لا تترك سندريلا حذاءها للأمير سهواً، فهي تتركه متعمدة بكل تأكيد. وليلى لا يأكلها الذئب، يأكلها صاحب قلم لديه خبرة عظيمة بشعاب الإنترنت والعذارى والأحلام والقلوب بكل خبث وتخطيط. سنو وايت لم تمت مسمومة بالتفاحة، ماتت مسمومة بقصيدة ووعد مخادع وكاذب وشاعر… يتبعه الغاوون…
حتى الأشجار لا تموت واقفة، فهم قبل موتها يجردونها من أغصانها وقاماتها وأقدامها…
في عالمنا المادي هذا الكل رومانسي ومتحضر، والكل مثقف، والكل أبيض، والكل نقي، الكل فارس، والكل شجاع، والكل يطالب بالديمقراطية… الكل لديه شفافية، ومصاب بتشابه الأفكار، والكل يتغنى بتوارد الخواطر… الكل ضحية العادات، والكل ظلمته الظروف، والكل تزوج ابنة عمه رغماً عنه، والكل زوجته لا تقدر مواهبه المدفونة، الكل يتراهنون على القلوب والنساء والأعراض والكبائر… كل الأحلام وردية، وكل الوعود وردية، وكل الحكايات وردية، ووحده الواقع أسود… في عالمنا المادي يفشل أصحاب الوجوه الواحدة والقلوب الواحدة في الحفاظ على الكثير، وينجح غيرهم… في عالمنا المادي الكل في غفلة فلا يتقدم العمر بأحد، فلا يوجد رجل مسن، فكلهم فرسان قبيلة، ولا توجد امرأة قبيحة، فكلهن ملكات جمال.
