
كتبت: سماح علي حامد
في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل ودمار البنى التحتية في قطاع غزة، تتكشف ملامح خطة إسرائيلية ممنهجة تسعى لتفريغ القطاع من سكانه، وفق ما تشير إليه تقارير دولية ووثائق مسربة وتصريحات محللين. وبينما يُروّج لهذا التوجه على الساحة الدولية باعتباره “حلًا إنسانيًا”، تتعالى التحذيرات من كارثة جيوسياسية وإنسانية جديدة تقترب من التحقق في قلب الشرق الأوسط.
التهجير كـ”حل إنساني”
وبحسب مصادر دبلوماسية ومحللين، فإن الخطة الإسرائيلية تعتمد على تسويق التهجير على أنه خيار إنساني، في ظل الكارثة المتفاقمة في غزة. ويجري طرح فكرة إنشاء “معابر آمنة” تسمح بخروج المدنيين إلى دول أخرى، في محاولة لتمرير المشروع على أنه إجلاء طوعي، رغم ما يحمله من تبعات خطيرة على التركيبة السكانية والقضية الفلسطينية برمتها.
غير أن هذا الطرح سرعان ما قوبل برفض عربي قاطع، لا سيما من الجانب المصري، الذي اعتبر الأمر تهديدًا مباشرًا لأمنه القومي، ومقدمة لتصفية القضية الفلسطينية عبر ترحيل أهلها إلى خارج حدود أرضهم.
مصر: التهجير إلى سيناء “خط أحمر”
وأكد اللواء خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن مصر تتابع الملف بيقظة تامة، مشددًا على أن “أي محاولة لفرض أمر واقع بخصوص تهجير سكان غزة إلى سيناء لن يُسمح بها”. وأوضح في تصريحات خاصة لقناة “سكاي نيوز عربية” أن مصر تتحرك سياسيًا ودبلوماسيًا على أكثر من صعيد لإجهاض مثل هذه المخططات، وأن رسائل واضحة تم توجيهها إلى جميع الأطراف الإقليمية والدولية تؤكد رفض القاهرة لأي محاولة لتحميلها أعباء إنسانية وأمنية إضافية.
وثائق وتسريبات تكشف النوايا
محرر الشؤون الفلسطينية في “سكاي نيوز عربية”، سلمان أبو دقة، كشف عن وثائق إسرائيلية وُضعت مع بداية الحرب الحالية، تتضمن اقتراحات بتهجير سكان القطاع على مراحل، تبدأ بممرات إنسانية مؤقتة، ثم إقامة مناطق إيواء في سيناء، تمهيدًا لنقل السكان إلى دول ثالثة.
وأضاف أن هذه الوثائق تعكس رؤية إسرائيلية تقوم على تقويض البيئة الحياتية في القطاع، بحيث يصبح غير قابل للعيش، ما يدفع السكان لقبول التهجير كخيار اضطراري. كما أشار إلى أن بعض الدول الأوروبية بدأت تتعامل مع هذا السيناريو كخيار مطروح بالفعل.
وفي المقابل، لم تُخفِ وسائل إعلام عبرية دعم بعض الأطراف داخل الحكومة الإسرائيلية، لا سيما وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، لهذا التوجه باعتباره “حلًا استراتيجيًا طويل الأمد”.
محاولة للالتفاف على القانون الدولي
بينما يصنف القانون الدولي الإنساني التهجير القسري للسكان المدنيين على أنه جريمة حرب، تسعى إسرائيل إلى تسويق هذا السيناريو بوصفه “خيارًا مؤقتًا” يهدف لحماية المدنيين من مناطق القتال، وهي صيغة يرى فيها الخبراء محاولة مكشوفة للتحايل على القانون الدولي وتبرير مشروع أعمق يغيّر الواقع السكاني والسياسي في غزة.
نكبة جديدة في الأفق
ويحذر مراقبون من أن ما يجري في غزة لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل مشروع متكامل يسعى إلى إعادة رسم خارطة سكانية وجغرافية للقطاع، في ظل صمت دولي لافت، وانشغال العالم بصراعات أخرى. ويرى كثيرون أن السيناريو المطروح ليس تهديدًا للفلسطينيين وحدهم، بل أزمة إقليمية تهدد استقرار المنطقة لعقود قادمة.
وبينما تواصل إسرائيل تصعيدها العسكري والحصار الخانق، تبرز التحركات المصرية والدولية الرافضة كحائط صد ضروري، لكنها تبقى غير كافية ما لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل حاسم. فهل يتحقق الرد قبل أن يُكتب فصل جديد من نكبة قد تكون أشد قسوة من سابقتها في 1948؟