
بقلم: طارق رضوان
الشخصيات:
طارق (أديب ومفكر مصري يجلس في قارب في النيل، هارباً من الضوضاء)
المراكبي (شاب يعمل على قاربه ليجد قوت يومه، لكنه محبط من الأيام)
الزمان: قبل الغروب
المكان: قارب يسير في النيل
المراكبي (متعجباً): ماذا تكتب يا أستاذ؟ لماذا لا تستمتع برحلتك في النيل كسائر الناس؟
طارق (مبتسماً): متعتي أجدها في الكتابة، فهي شريك حياتي في فرحي وحزني، وأنا اخترت القارب بعيداً عن الناس حتى أجد الهدوء وجواً مختلفاً لأكتب بشكل أفضل.
المراكبي (مرتبكاً): اعتذر لمقاطعتك، فلم أعتد هذا من قبل. في الغالب أجد شاباً وخطيبته أو أسرة ترغب في قضاء وقت ممتع ورحلة في النيل. يمكنك استكمال كتاباتك، لن أزعجك.
طارق (يهز رأسه): لا عليك، دعنا نتسامر قليلاً، فمعرفة الرجال كنوز.
المراكبي: كنوز!! الكنوز يا أستاذ مع الأغنياء، أما نحن فقد سرق الزمن ضحكتنا وفرحنا. حتى الحياة نسينا نعيشها. هل حضرتك كنت تكتب عن ماذا؟
طارق (سعيداً): عن الحب. هل تؤمن به؟ كنت أقول إن أوله هزل وآخره جد، وله أنواع فاقت الحد والخيال، لكن منبعه وأصله كله من الله. بمعنى أن هناك تفاعلاً ومحبة بيننا وبين أي وكل شيء حولنا. يعني، مثلاً، القارب هذا ربنا سخره ليخدمنا، والنهر هذا كذلك، وإلا كان أغرقنا. بيننا وبينهم أصبح هناك حب.
المراكبي (مستنكرًا): ونعم بالله، لكن حب أيه اللي أنت جاي تقول عليه؟ نحن نعيش وسط طغيان المادة وظلمها، الأغنياء هم أصحاب الحق حتى لو ظالمين.
طارق (مدافعاً عن موكله الحب): يا صديقي، إن للحب معاني دقيقة لا يدرك جلالتها وحقيقتها إلا بالمعاناة. فالمعاناة هي سمة الحياة وسنتها. حتى الأنبياء وأصحاب المبادئ والفلاسفة لم يكونوا بمنأى عن ذلك، بل هم الأكثر معاناة، ومع ذلك هم أكثر من عرفوا الحب ونادوا به. دعنا ننسى ما ينغص فكرك من المادة وظلمها لتتذوق وترى الحب في كل ما حولك.
المراكبي (مندهشاً): كيف أنسى المادة وأنا أوفر قوت يومي بالكاد، ولا يمكنني الآن أن أتقدم لخطبة أي فتاة؟
طارق: تعلم يا صديقي، الأزمة ليست في الحب منذ البداية، بل المشكلة تكمن فيك أنت. لو أنك زرعت حباً بينك وبين الأقارب والجيران والأصحاب، لحصدت ثمراً يكفيك ذل الأيام وغدرها. رصيدك محدود وكاد أن ينفد، مهما بلغ الثراء. من عاش لنفسه فقير وإن كان قارون زمانه.
المراكبي: وما أدراك أنني لم أفعل؟ أنا فعلت كل هذا وربما أكثر، وما حصدت إلا خيبات وصدمات لم أتوقعها. وحين كان لدي فرصة الانتقام، لم أغتنمها ولن أفعل.
طارق (مستحسناً ما قاله المراكبي): يا صديقي، الإحباط والصدمات أصابوك لأنك بنيت توقعات وانتظرت المقابل. الحب الصادق يكون في الله ولله، ولا ينتظر مقابلاً، وبهذا ثق تماماً أن ما ستحصده أعظم بكثير مما كان يمكنك توقعه. التجارة مع الله يا عزيزي، وحينها ستدرك أن للحب مفاهيم حسية وروحية ملموسة فقط لمن يحسن الحب ويجيده. حينها ستسمو روحك لتكون ملائكية.
المراكبي (أوقف التجديف): كيف للمرء أن يجمع بين كل هذه المعاناة اليومية من عمل ورعاية الأسرة وحياة اجتماعية ساخرة ماكرة صعبة، ورعاية ذاتية وغير ذلك؟
طارق: الحب بسيط، والفرق بين العشق والحب واضح. فالعشق مرض. لا تنتظر أن تأخذ كل شيء من شخص واحد، لأنك بهذا تجهده وتخنقه. العشق إحساس مرضي وحب مفرط، لكن الحب إحساس فطري. الحب هو تعلق روح بروح بين الإنسان وربه، بين إنسان وإنسان، أو بين إنسان وحيوان، أو حتى جماد. الحب لا يهتم بمظهر أو جمال جسد. الحب جنة الله على أرضه.
المراكبي: وكيف أعرف أن ما بي هو حب صادق؟
طارق: حين تنكسر بداخلك الغيرة المرضية، حين لا تنتظر المقابل، حين تشعر بالأمان، حين لا تشعر بوجود أي أعداء لك وكان الجميع أحبابك، حين ترضى عن نفسك وعن ما ومن حولك، فأنت في قمة الحب.
المراكبي: زدني.
طارق: المحب يدمن ويطيل النظر لمن يحب تحديقاً ومعاينةً. فالعين هي باب النفس. والمحب ترى لمعة الحب في عينيه حين يرى أو يسمع اسم الحبيب.
المراكبي: من أين تأتي الغيرة المرضية؟
طارق: الغيرة لا بأس بها، لكن المرضي منها مفجع. تأتي الغيرة المرضية من شخص لم يتلقَ حباً كافياً في طفولته، فهو هش نفسياً ومدمر لمن حوله اجتماعياً، يقوم بملاحقة من يحب بشكل عقيم خانق.
المراكبي: هل سمعت عن الرجل الذي مارس الجنس مع ٣٠٠ بغية؟ هل بداخله كل هذا الحب لهن؟
طارق: يا صديقي، مدمن الجنس هذا هو شخص يلهث خلف إرضاء شعوره بأنه مرغوب من الجنس الآخر، بدليل أنه بمجرد أن تقول له البغية “أنا أحبك”، يتركها ليبحث عن بغية أخرى. فهو مريض يستحق العلاج والشفقة.
المراكبي: وهل خلق الله لكل شخص نصفه الآخر؟
طارق: بالتأكيد، فالحب رزق. ورزق الله يأتي لك دون عناء إذا ما أحسنت التوكل والإيمان به. فلا حيلة لك ولا حاجة لك أن ترهق ذاتك. ها قد أتى المساء… ونيس الأحبة، فدعنا نعود للشاطئ والديار. جعل الله حياتي وحياتكم كلها أرزاقاً جميلة.