![الأديب طارق رضوان يكتب: قصاقيص من رحم الحياة](https://eyonelmagles.media/wp-content/uploads/2025/02/eyonelmagles.media-image-image-29.png)
بقلم الأديب طارق رضوان
الفرق بين الفرح والحزن عظيم، ولكن ليس كما يظن الأغلبية أن للفرح الكفة الراجحة. ذلك أن الفرح غربة أخرى، مؤقت، لحظي، رغم انبهارنا به، زائف كسراب، لكننا نجاهد لنتلبس به كي يمنحنا زهوه وألقه. نحتاجه لأنه يحررنا من عبوديتنا لأوهام الحياة وهمومها. يتماهى مع سذاجتنا المتعلقة بمرآه، ببضع ومضات من انعكاسه في مخيلتنا، يتربص بنا كظلنا، يرصد من بعيد خطواتنا المدروسة ليجهز على مخططاتنا في غفلة من يقظتنا. هو هوسنا المؤرق المتعب الذي لا ييأس، يصر على التبجح بإنجازاته فينا في لحظة ميتة من الزمن نصر على إحيائها بتوثيقها، متناسين أن الحزن أجدر بالتخليد لأنه يبقينا أحياء بحميميته المتفردة. يأتي دائمًا في موعده ليذكرنا بقيمتنا في عين أنفسنا، باستحضار اللحظات الصعبة التي علمنا فيها الصمت بدل الرد، كيف نحول هزائمنا الداخلية إلى نفس طويل يحرضنا على انتزاع النجاح من فم الفشل، كيف نقاوم، كيف نقسو على أنفسنا اليوم لنرتاح غدًا، كيف تكون الحاجة، القهر والحرمان محفزات المثابرة والعمل إلى حين تحقيق المراد والمبتغى.
لولا الأحزان، الخيبات والأزمات، لما استطعنا تبوؤ مراتب الشرف والعلم والتميز. قد تتفاوت مقدرتنا على التنافس وإتمام مسار النجاح، لكننا نظفر بروح إيجابية تعلمنا كيف نجعل من الصعب المستحيل حقيقة معاشة وواقعًا أجمل مما تخيلناه في يوم من الأيام. الهموم، التعثرات والإخفاقات شرخ الروح الذي يتسرب منه نور الأعماق الكامن فينا ونجهله. الخيبات تعتصر عزائمنا لتخرج أروع ما فينا: لآلئ فضائل فريدة اكتسبناها في كل مواجهة، تمامًا كالمحارات، تحتضن الجسم الغريب فيها، تقاومه بصناعة مادة تسمى: “عرق اللؤلؤ”، الذي يشكل فيما بعد لآلئ لا تشبه بعضها، لكنها جميلة لأنها نتاج ألم برهن أنها كائن حي خلق ليثبت وجوده ويشهد العالم على قوته. قد يبدو في الظاهر هينًا، وهو في جوهره عظيم.
لقد أمضيتُ حياتي كلها في الدفاع عن أشياء لن أحظى بها أبدًا. أجلسُ الآن وحيدًا، أُمشِّطُ شعر الخيبة وأغني لها. من بين كل ما يعذبنا، لا شيء مثل الخيبة يمنحنا الإحساس بأننا نلمس أخيرًا ما هو حقيقي. الخيبة الأولى موجعة، أما البقية فهي دروس تقوية لا أكثر.
تعلمت أن أصنع أحلامي من كفاف يومي لأتجنب الخيبة. لكن لماذا قدر الحب الخيبة؟ لأن الحب والوفاء يولدان بأحلام شاهقة أكبر من أصحابها. وصرت أكتفي بأحلامي الصغرى؛ كأن أصحو من النوم معافًا من الخيبة، لم أحلم بأشياء عصية! أنا حي وباقٍ، وللحلم بقية.
لا تتعجب أن في الحياة اليومية ينجو الأشرار من العقاب، ويضيع على المحسنين الثواب، ويجني الأقوياء ثمار النجاح. أما الضعفاء فلهم الخيبة وسوء الحال، هذه هي قصة الحياة. ليس هناك أصعب من أن تُسقى الخيبة من شخص تهتم لأمره.
لا تتعجب من غدر البعض من البشر، فقد كان أحدهم معك لحاجته فقط، وعندما أُشبعت وانتهت حاجته، انتهى معها. تعلمنا من كثرة الخيبات أن نصبح أنانيين نحب أنفسنا فقط. لا شك أن في هذا خسارة ودمار، فمشاعر صادقة كثيرة تفوت علينا وذلك لانعدام الثقة. أصبح لدينا حب فارغ… حب مصلحة… حب تقليد… حب حاجة.
تعلمنا بعد فوات الأوان أن خيبة الظن تخرسنا، تؤلمنا، تصفعنا. فهي قاسية موجعة، ومتعبة. وكان كل ذنبي أنني بريء، تعاملت بصدق وإخلاص ووفاء، وصار كفارة ذنبي هذا أن أنصدم بأناس لا عهد لهم ولا ذمة.
لا تسخر من خيبة أملي عندما شعرت بأنني قادر على أن أكون زعيم قبيلة، وثابرت للوصول لأتزعم أخيرًا قبيلة دون شعب. لا تلومني على خيبة أملي عندما ضحيت بكل طموحاتي من أجل رفع شأن شخص غالي لأجده يرتفع وينسى فضلي ويتنكر لي ويتجاهلني بالأساس.
خيبة الأمل حين تشم دخان وغبار الحروب ولا ترى أي مستقبل زاهر. خيبة الأمل عندما تتفانى في إرضاء الغير، لتستفيق على واقع مرير ودمعة في كل عين.
حتماً ستصيبك خيبة أمل عندما تبني وتبني وتبني… تبني أحلامك وأمنياتك، تشيدها قصورًا وقلاعًا، وتحلم بأن تقطف من جنانها أطيب الثمار، فتستفيق من حلمك بعد أن بللتك مياه البحر، لتجد أنك كنت تبني على رمال الشاطئ.
يا لها من خيبة أمل ستصيبك عندما تضع شخصًا عزيزًا أخذ مكانة في قلبك، واستحوذ على اهتمامك، تملك مشاعرك حتى صار جزءًا منك. تضعه في بداية قائمة أولوياتك، وتكشف لك الأيام أنك لست حتى آخر أولوياته. خيبة الأمل جاءت من صديق أفتقدته وقت شدتي.