
بقلم: أحمد زكي
مصر في الأديان… وطن الأمن وملاذ الرسالات
بقلم: أحمد زكي
منذ فجر التاريخ، كانت مصر محوراً للأنبياء وملاذاً للضعفاء، أرضاً للمهاجرين ومقصداً للباحثين عن الأمن والسلام. ولم تكن هذه المكانة وليدة الجغرافيا أو الوفرة الطبيعية فحسب، بل لأنها محروسةٌ بنصوصٍ سماوية، ومباركة في الكتب المقدسة، وموصوفة بالكرامة في أحاديث النبي وأقوال العظماء. هذه هي مصر التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والتوراة والإنجيل، وتغنّى بها التاريخ على لسان الحجاج والسادات وكل من عرفها أو احتمى بها.
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) – سورة يوسف، آية 94
(اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم) – سورة البقرة، آية 60
ولا يخفى على أحد كثرة المواضع القرآنية التي ورد فيها ذكر مصر، سواءً بصيغة الاسم الصريح، أو بالإشارة إلى جبالها ورباها وأرضها الطيبة وسينائها ومياهها وعيونها.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوصى بأهل مصر خيراً، لما لهم من مكانة راسخة في الدفاع عن الدين والوطن. فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
“إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا منها جنداً كثيراً، فإنهم في رباط إلى يوم الدين.”
وفي التوراة، قيل عن مصر:
“إن مصر خزائن الأرض كلها، فمن أرادها بسوء قصمه الله.”
وفي الإنجيل:
“امشِ برفق فوق تراب مصر، فقد لمسته أقدام الطفل يسوع والعذراء مريم ويوسف النجار. وليتك تتنفس هواء مصر بعمق، فقد تنفسه وباركه يسوع ابن مريم.”
مصر كانت دائماً ملاذاً وسكناً للعائلة المقدسة، ومأوىً للرسل والصالحين.
وحين انتصرت مصر في حرب أكتوبر المجيدة، قال الرئيس محمد أنور السادات:
“أقدر اليوم احترام العالم لمصر بغير عطف، بعدما كان عطف العالم علينا بغير احترام.”
قالوا عن المصريين الكثير، وأبدع الحجاج بن يوسف الثقفي حين وصفهم في وصيته لطارق بن عمرو قائلاً:
“لو ولاك أمير المؤمنين أمر مصر، فعليك بالعدل، فهم قتلة للظلمة، هادمو الأمم، ما أتى عليهم قادم بخير إلا التقمُوه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجفّ الحطب. لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فإنهم إن قاموا لنصرة رجل جعلوه ملكاً، وإن قاموا عليه قطعوا رأسه. فاتقِ غضبهم ولا تشعل ناراً لا يطفئها إلا خالقهم.”
الهجرة إلى مصر… منذ القدم وحتى الآن:
مصر عبر التاريخ لم تكن طاردة لأبنائها، بل كانت دائماً حضناً حنوناً للوافدين من كل أنحاء الأرض، خاصة في الأوقات التي اشتدت فيها المحن على الناس.
- في زمن المجاعات التي اجتاحت بلاد المغرب والجزائر منذ 400 عام، هرب الآلاف إلى مصر.
- عندما طرد الإسبان المسلمين، لم يجدوا مأوى غيرها.
- في الحرب الأهلية اللبنانية، كانت مصر هي الحضن الدافئ.
- مذابح الأرمن، الحروب الأهلية في إيطاليا واليونان، الحروب العالمية… كلها ألقت بالناجين إلى أحضان مصر.
- حتى ملوك وزعماء، مثل آخر ملوك إيطاليا، والشاه محمد رضا بهلوي، ماتوا على أرض مصر، بعد أن احتضنتهم.
- عائلة المناضل الكونغولي بياتريس لومومبا، لجأت إلى مصر.
- السيدة زينب حفيدة الرسول، لم تجد أرضاً أكرم من مصر.
- السيدة مريم وابنها عيسى عليهما السلام، وجدوا الأمان فيها.
- الهجرة السودانية كانت مستمرة على مر العصور.
- واليوم، أبناء سوريا والعراق واليمن وليبيا… يعيشون في مصر كأنهم من أهلها.
ومع ذلك، لم تُسجّل في تاريخ مصر موجة هجرة جماعية للخارج، رغم أنها مرت بالحروب والشدائد.
هكذا هي مصر… حافظة للعهود، حامية للغريب، نصيرة لكل ملهوف. هي التاريخ، وهي الحاضر، وهي المجد المتجدد الذي لا ينكسر رغم كل التحديات. اللهم احفظ مصر، ووحّد صفها، وأدم عليها نعمة الأمن، وارزقنا دائماً أن نكون من أهلها المخلصين.
بسم الله الرحمن الرحيم:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)
– سورة الأنفال، آية 60
صدق الله العظيم
الحياة كالبيانو… هناك مفاتيح بيضاء وهي السعادة، ومفاتيح سوداء وهي الحزن، ولكن تأكد أنك ستعزف بالإثنين لتعطي للحياة لحناً جميلاً.