
بقلم: طارق رضوان جمعة
قضية مقالي اليوم هي ما يؤرق الكثير من منازلنا الزوجية، ليس في الوطن العربي فقط، ولكن في العالم أجمع، في ظل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، تلك العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة. فاليوم نتحدث لا لندفن رؤوسنا في الرمال خجلاً، بل لنحصن بيوتنا ونحميها من التداعي.
جميل أن تتزوج، ورائع أن يكون لك شريك حياة، ولكن الأروع والأجمل أن يكون الشريك صديقًا، رفيق وقت الضيق. أتحدث عن الصداقة الزوجية الحميدة التي هي أقوى وأهم من العلاقة الحميمة. لكن تلك الصداقة ليست وليدة اللحظة، ولا تأتي بعد زواج مخادع قام على التجمل في فترة الخطوبة، فكما يحتاج بناء البيت قبل أن تسكن فيه إلى قواعد وأعمدة وديكورات، كذلك العلاقة السليمة بين الزوجين تنشأ منذ أول يوم خطوبة. فالعجب كل العجب ممن يخدع طرفه الآخر، نصفه الآخر، فهو يخدع نفسه بتجمله قبل أن يخدع الطرف الآخر، وبالتالي سيكون حصاده زواجًا لا حياة فيه… سيحصد خسائر مضاعفة لذاته. فكيف لعاقل أن يغش نفسه ويخون ذاته، ويسبب لنفسه معاناة تدوم سنين، وربما عمرًا طويلاً، بمجرد سعادة وقتية قصيرة؟!
أتحدث عن صداقة زوجية لا تخشى لومًا أو تقريعًا، لا يهددها شبح الطلاق بأنواعه الرسمي منه أو العاطفي. ويبقى السؤال: كم واحد منا يتمتع بهذه الصداقة الزوجية؟ من منا يمكنه الاعتراف لشريك حياته بكل وأدق تفاصيل مشاعره، وكأنه أمام مرآته ويتحدث لنفسه دون تردد أو رهبة؟
ماذا لو أن زوجة وقعت في حب رجل آخر غير زوجها؟ أو العكس؟… أصبحنا نسمع عن هذا كثيرًا. ماذا لو أنها أخبرت زوجها بذلك؟ أو العكس؟ تُرى ما موقف الزوج حينها؟ بالطبع الغالبية سيكون رد فعلهم السب والضرب والطلاق كنتيجة حتمية فورية.
سؤالي هنا: هل ما فعله الزوج هو حكمة لا ندركها وعلاج لزوجة المفترض أنها كل حياته، وأن بينهما حب دفين، أم أن ردة فعله تلك هي انتقام ذكوري لكرامته المهدرة؟ ألم يخطر بباله قبل الطلاق أنها اعترفت له كاستغاثة مما أصاب قلبها من ضعف عاطفي ووهن؟ ذلك الضعف الذي ربما تسبب هو فيه بغيابه عنها أو إهماله لها؟ أرى أنه كان جديرًا به أن يحاول أن يساعدها في محنتها.
كم أسرة تعاني من روتين زوجي؟ كم أسرة تخشى لوم الأهل والمعارف، فالتزمت الصمت رغم الألم؟ أزواج لكن غرباء تحت سقف واحد.
الصداقة الزوجية هي احترام، أمان، تواصل فكري بعيدًا عن حياة الملل والرعاية والرهبة من شريك الحياة، بعيدًا عن الخرس الزوجي. أتحدث عن حياة زوجية يسودها المرح والتسامح، حياة تمنح مزيدًا من الوقت والاهتمام بالطرف الآخر للغوص في أعماقه النفسية وتقبل العيوب، بل رؤيتها كمميزات إن أمكن، أو على الأقل محاولة إصلاحها. أتحدث عن تقارب روحي ليس فيه أنا وهي، بل أنا وزوجتي زوج واحد، كيان واحد، علاقة اكتمال واكتفاء. أتحدث عن حياة زوجية يكون فيها الزوجان على سجيتهما حين يتحدثان.
إن رسالتي هذه هي ما تنادي به الأديان والفلاسفة من سكن ورحمة. ولا تنسَ قبل أن تحكم على مقالي وأفكاري أن ما كنا ننكره بالأمس ونستحي منه صار اليوم أمرًا ملحًا لدراسته ومعالجته. ستتمنى غدًا لو أنك قرأت أكثر وتعلمت أكثر عن فنون الحياة وحكمتها القائمة على الإقناع والاقتناع دون عنف ولا زيف. أريدك أن تتحرر من كل مخاوفك أمام شريك حياتك، أن تشعر بالأمان كما لو أنك ببيتك تلبس ما تشاء وتفعل ما تشاء، فإن لم تستطع ذلك فأنت ميت في صورة حي.
ابحثوا عن اهتمامات مشتركة، وهذا لا يعني التلاصق دومًا بينكما، ولكن اجعلوا بينكما مسافات صحية. جددوا علاقتكما لتخلو من الرتابة المميتة والأنانية، بعيدة كل البعد عن استنزاف طاقة شريك الحياة.
وختامًا، جاء في الحديث النبوي: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة. لا أقول حالقة الشعر، ولكن تحلق الدين” رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
والحالقة هنا تعني استئصال الدين وقطع الرحم كما يحلق الموس شعر الرأس.
لا تتركوا النساء فريسة، فما أكثر الصيادين. لا تروِ زرع غيرك، واهتم بثمار حديقتك. حفظ الله بيوتنا وأهلنا.