
بقلم: أحمد زكي
ما زالت الكلمة حائرةً بين مفهومٍ لم يُقصَد، ومقصودٍ لم يُفهَم، فاجعل كلمتك بسيطة… حتى يُفهم مقصدها.
المصلحة
مختصر ما سبق.
كان لزامًا عليّ أن أصعد إلى الدور العاشر لمقابلة الأستاذة اعتماد، كي تقرأ لي الكف، فأعرف هل ستُقضى مصلحتي اليوم باستخراج الأوراق المفقودة الخاصة بي… أم لا.
خصوصًا بعد أن أخبرني عم “على الله” الواقف على البوابة بأنّ المصعد معطل، وعليّ أن أصعد عبر السلالم حتى الدور العاشر.
لكنني لم أعثر على السلم، إذ كانت حشود كبيرة من الناس تملأ المدخل وتحجب الرؤية تمامًا، وكان هناك تكدّس شديد، وأصواتٌ عالية، واستغاثاتٌ، وعويلٌ، وصراخٌ يملأ المكان.
اضطررت إلى العودة إلى عم “على الله”، لسؤاله عن مكان السلم، فإذا به ينهَرني بشدة، وصاح في وجهي:
“لا أريد أن أرى وجهك مرةً أخرى!”
انصرفت من أمامه قبل أن يزداد غضبًا، ولم أعلم سبب كل هذا الهياج…
تماسكت وتمالكت أعصابي، فما زلت في بداية الرحلة داخل المصلحة…
أخذت نفسًا عميقًا… وفجأة، سمعت صوتًا يعلو:
“السلم من هنا… السلم من هنا…”
فإذا بالناس يهرعون نحو الصوت، يركضون بفرحٍ غامر، بعد أن عثروا أخيرًا على السلم الذي بحثنا عنه طويلًا، بينما كان عم “على الله” لا يريد أن يُخبر أحدًا به!
التقينا جميعًا عند المطلع، والسعادة تملأ قلوبنا، وبدأنا رحلة الصعود…
وفجأة، وجدت رجلًا مسنًّا، غير قادر على الحركة، يمسك بيدي ويتوسل إليّ أن أحمله معي، ليصعد إلى الدور العاشر، إذ لا يقوى على صعود السلالم.
أخبرته أنه يمكنه التوجّه إلى عم “على الله”، فصرخ قائلًا:
“بلاش… بلاش عم على الله!”
فهمت السبب طبعًا…
تحاملنا على بعضنا وبدأنا الصعود…
وخلال الطريق، علمت منه أنه أيضًا متجه إلى مدام اعتماد في الدور العاشر.
كان الصعود مرهقًا، وأصبح أشد عبئًا بوجود الرجل المسن…
صعدنا معًا بهدوء، وسط دعواته التي لم تنقطع لي، وأكّد أنّه لن ينسى هذا المعروف أبدًا.
شاهدنا أشياء غريبة، وسمعنا أصواتًا عالية، واستغاثاتٍ في كل دورٍ من الأدوار…
وعندما سألنا عن السبب، كانت الإجابة:
“إنها أصوات الموظفين في المصلحة، يصرخون في وجه المراجعين، لترهيبهم حتى لا يُقدِموا على الحضور مرة أخرى… ومن يأتي ثانيةً، سينال العقاب!”
رأينا حالات تهرع نزولًا من السلم، وأخرى تقع أرضًا وعلى وجوههم الفزع،
وبالسؤال، تبيّن أنّهم ألحّوا في الاستفسار من الموظف عن الإجراءات اللازمة لإنهاء مصالحهم،
فاستشاط غضبًا… وخرج خلفهم يحمل عصًا غليظة، ليؤدبهم على فعلتهم!
تابعنا رحلة الصعود، والرجل المسن يتّكئ عليّ،
حتى بدأت قواي تنهار… وما زال أمامنا بعض الأدوار للوصول إلى الدور العاشر.
مرّت ثلاث ساعات منذ دخولي المصلحة، وما زلنا في
رحلة الصعود إلى بداية الإجراءات…
كنّا نرتاح قليلاً في كل دور… حتى بلغنا الدور العاشر.
حمدنا الله على الوصول، وسجدنا سجدة شكر،
وجلستُ على السلم لألتقط أنفاسي، استعدادًا لبدء المهمة…
وجدنا زحامًا شديدًا في الدور،
والجميع ملقى على الأرض بعد رحلة الوصول المرهقة…
والكلّ يسأل:
“أين مكان مدام اعتماد؟”
لقراءة الكف، ومعرفة ما إذا كانت المصالح ستُقضى اليوم… أم لا!
إلى أن وجدنا رجلًا يحتضر، والجميع من حوله يترقبون نُطقه قبل الشهادة:
“أين مكان مدام اعتماد؟”
… إلى اللقاء، بإذن الله…
قرمشة…
جبروت الفكر
استعديتُمونا… واستعددناكم… فقتلتمونا… وقتلنـاكم…
أنتم مسلمون، ونحن مسلمون…
وتركنا خلفنا عدوّنا… وعدوّ الدين…
لم أجد في قلبي غِلاظة الكره والغلّ تجاه عدوٍّ ماكر بيني وبينكم،
تعلمونه علم اليقين، وتُغْمِضون أعينكم عنه…
فماذا فيكم؟
نحن مسلمون، نبتغي العيش في سلام الإسلام…
وأنتم مسلمون، تبغون العيش بجبروت العدو، لا بسماحة الإسلام!
لماذا كلّ هذا الكره؟
لماذا هذا الشرّ؟
عليكم بالمراجعة… وعلينا بالدعاء لكم…
أن يُصلِح الله ما بينكم،
قبل أن يُصلح ما بيننا وبينكم…
ندعو الله أن يعمّ الإسلام في حياتنا،
وأن يكون السلام هو خيارنا…
فقد تركنا خاتم الأنبياء على كلمات خالق العباد:
“لكم دينكم وليَ دين”
سورة الكافرون – الآية (6)
صدق الله العظيم