الجمعة ١٨ أكتوبر ٢٠٢٤

رئيس مجلس الادارة : أحمد أحمد نور

نائب رئيس مجلس الادارة : وليد كساب

رئيس التحرير : محمد عبد العظيم

أخبار عاجلة

ما قبل نيلسون مانديلا.. التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا

كتب: أحمد شعبان

تعد العنصرية التي تقدمها الحكومات ضد مواطنيها أحد أخطر أشكال التمييز، حيث تُضمّن في القوانين والنظم المعمول بها، وتجعلها الدولة أساسًا للسياسات العامة في مختلف مناحي الحياة علنًا وبلا مداراة. طبقت جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري لعقود قبل نهايته عام 1991. وفي الوقت ذاته، توجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل باتباع سياسات مشابهة تجاه الفلسطينيين. يهدف هذا التحقيق إلى مقارنة الممارسات والتداعيات بين نظامي الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل، مع التركيز على الأحداث الأخيرة التي بدأت في 7 أكتوبر 2023.

تاريخ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا

ساد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بين 1948 و1991، حيث حكمت الأقلية البيضاء الأغلبية السوداء بمنهج إقصائي يحافظ على المصالح والبنيات التجارية والاقتصادية التي أقامها البيض على مدى ثلاثة قرون من الاستعمار. أقر نظام التمييز العنصري رسميًا بعد فوز الحزب الوطني المتطرف في تشريعيات 1948، والذي قسم السكان إلى مجموعات عرقية وحدد أماكن وجودها في مناطق معينة، مما أنتج مجتمعين يتباينان في كل شيء.

نشأة التفرقة العنصرية والترابية

تعني كلمة “أبارتايد” في لغة الأفريكانو (وَضَعه جانبا، أو نبذهُ)، مع ما يحمله ذلك من معاني النبذ والتهميش والإلغاء والاحتقار. سيطر الحزب الوطني المتطرف على الحياة السياسية في البلاد من العام 1948 حتى 1994، وبدأ هذا الحزب تنفيذ مشروعه السياسي بقانون “سجل السكان” الذي أُقر في 1950، وقسم السكان إلى مجموعات عرقية وحدد أماكن وجودها.

قسم قانون 1950 سكان جنوب أفريقيا إلى أربع مجموعات عرقية: الأفريكانو (البيض)، والبانتو (السود)، والخلساء، والآسيويين. حدد القانون مناطق حضرية محددة لكل مجموعة بنسب غير متساوية ولا منصفة. مُنحت المجموعة السوداء منطقة جغرافية فقيرة اقتصاديا لا تتجاوز 13% من مساحة البلاد، مما أوجد أحياء مكتظة وفقيرة تفتقر إلى الخدمات الأساسية.

التفرقة في الخدمات

طالت سياسات الفصل العنصري مجالات التعليم، الصحة، والإسكان. خُصصت مدارس للسود في الضواحي تتسم بالاكتظاظ وضعف الإمكانات، بينما تمتع البيض بمدارس أفضل في الأحياء الراقية. كما قسمت المجالات الحضرية إلى أحياء هامشية فقيرة للسود، وأخرى راقية للبيض. فرضت سياسات الفصل العنصري تمييزًا منهجيًا في كافة مناحي الحياة، مما جعل الحياة اليومية للأغلبية السوداء مليئة بالتحديات والمعاناة.

القبضة الأمنية

بموازاة الإجراءات المؤسسية، شدد نظام الأبارتايد قبضته الأمنية، فاضطهد مناوئيه وألقى بزعامات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في السجون، وتصدى لكل الحركات الاحتجاجية بالقمع والقتل. أشهر هذه المجازر كانت مذبحة شاربفيل عام 1960، حيث قتلت الشرطة 69 متظاهرًا. هذه السياسات القمعية أدت إلى مقاومة شديدة من الأغلبية السوداء، مما زاد من حدة التوترات والعنف.

مانديلا ونهاية أبارتايد

مع بوادر سقوط المعسكر الشرقي في أواسط ثمانينيات القرن العشرين، وتنامي تعاطف الرأي العام الدولي مع شعب جنوب أفريقيا، اقتنع رئيس النظام العنصري بجنوب أفريقيا، فريدريك دوكليرك، بحتمية المصالحة وإلغاء نظام الفصل العنصري. في 11 فبراير 1990، خرج مانديلا ورفاقه من السجن، لتبدأ مفاوضات سياسية تُوجت بإلغاء الفصل العنصري والدعوة لتنظيم انتخابات تعددية هي الأولى في تاريخ البلاد، فاز بها المؤتمر الوطني الأفريقي وزعيمه نيلسون مانديلا.

نهاية فترة الأبارتيد في جنوب أفريقيا

نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا كان نموذجًا للتمييز العنصري المؤسسي الذي حكمت من خلاله الأقلية البيضاء الأغلبية السوداء منذ عام 1948 حتى 1991. ارتكز هذا النظام على قوانين فصلت السكان على أساس العرق ومنعت الأغلبية السوداء من الحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بدأت نهاية هذا النظام عندما أدرك قادته أن استمرار هذه السياسات لن يكون ممكنًا في ظل التغيرات العالمية والضغط الدولي المتزايد.

عوامل نهاية الأبارتيد

1. الضغوط الداخلية والخارجية:

o المقاومة الداخلية: قادت حركات مقاومة محلية مثل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) حملات ضد الأبارتيد، بما في ذلك العصيان المدني والإضرابات والمظاهرات.

o العزلة الدولية: تعرضت جنوب أفريقيا لعزلة دولية متزايدة، مع فرض عقوبات اقتصادية وثقافية ورياضية من قبل المجتمع الدولي. لم تكن هذه الضغوط مقتصرة على الحكومات، بل شملت أيضًا منظمات دولية ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم.

2. التغيرات السياسية العالمية:

o نهاية الحرب الباردة: سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة أضعف الدعم الأيديولوجي للنظام العنصري. بدأت الدول الغربية، التي كانت تدعم النظام ضمنًا خوفًا من انتشار الشيوعية، بإعادة تقييم مواقفها.

3. الإصلاحات الداخلية:

o فريدريك دوكليرك: تولى فريدريك دوكليرك رئاسة جنوب أفريقيا في عام 1989 وبدأ في إدخال إصلاحات تدريجية نحو إنهاء الأبارتيد. في 2 فبراير 1990، أعلن دوكليرك عن رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وإطلاق سراح نيلسون مانديلا بعد 27 عامًا من السجن.

المفاوضات والتحول

بعد إطلاق سراح مانديلا، بدأت مفاوضات بين الحكومة والقيادات السوداء لإنهاء الأبارتيد. استمرت هذه المفاوضات لعدة سنوات وشهدت فترات من العنف والتوترات. لكن في النهاية، تم التوصل إلى اتفاق لإنشاء نظام ديمقراطي شامل.

• الانتخابات التاريخية: جرت أول انتخابات ديمقراطية متعددة الأعراق في 27 أبريل 1994. فاز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في الانتخابات وأصبح نيلسون مانديلا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا.

آثار نهاية الأبارتيد

إنهاء الأبارتيد كان له تأثيرات واسعة على المجتمع الجنوب أفريقي والعالم. تمثل التحول في جنوب أفريقيا خطوة كبيرة نحو المساواة والعدالة، وشكل مصدر إلهام لحركات حقوق الإنسان حول العالم. على الرغم من أن البلاد لا تزال تواجه تحديات كبيرة، إلا أن إنجازاتها في التحول الديمقراطي تعتبر منارة أمل للعديد من الدول الأخرى التي تكافح ضد التمييز العنصري والقمع.

عن أحمد شعبان

شاهد أيضاً

انضمام بوليفيا إلى دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية

انضمام بوليفيا إلى دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية

كتبت: زينب محمد أحمد أعلنت محكمة العدل الدولية، اليوم الأربعاء، انضمام بوليفيا إلى الدعوى المقدمة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *